الكلمات | الكلمة الثامنة والعشرون | 682
(678-687)

سمو درجة الجنة على الدنيا.
سؤال: يحضر أعرابي مجلس الرسول y لدقيقة واحدة، فيكسب محبة للّه. ويكون معه y في الجنة حسب ما ورد في الحديث الشريف ( المرء مع من أحب)(1)، فكيف يعادل فيض غير متناهٍ يناله الرسول الكريم مع فيض هذا الأعرابي؟
الجواب: نشير الى هذه الحقيقة السامية بمثال:
رجل عظيم أعد ضيافة فاخرة جداً، في بستان مزهر رائع الجمال. وهيأ معرضاً في منتهى الزينة والابداع، جامعاً لجميع أنواع المطعومات التي تحس بها حاسة الذوق، شاملاً جميعَ المحاسن التي ترتاح اليها حاسة البصر، ومشتملاً على جميع الغرائب التي تبهج قوة الخيال. وهكذا وضع فيه كل ما يرضي ويطمئن كل حاسة من الحواس الظاهرة والباطنة.
والآن يذهب صديقان معاً الى تلك الضيافة ويجلسان جنباً الى جنب على مائدة واحدة في مكان مخصص. ولكن لكون أحدهما يملك حاسة ذوق ضعيفة، لا يتذوق الاّ شيئاً قليلاً من تلك الضيافة، ولا يرى كثيراً من الأشياء، لأن بصره ضعيف. ولا يشم الروائح الطيبة، لانه فاقد لحاسة الشم. ولا يفهم خوارق الأشياء، لعجزه عن ادراك غرائب الصنعة.. أي لا يستفيد من تلك الروضة الرائعة، ولا يذوق من تلك الضيافة العامرة الاّ واحداً من ألف، بل من مليون مما فيها، وذلك حسب قابلياته الضعيفة. اما الآخر، فلأن جميع حواسه الظاهرة والباطنة، وجميع لطائفه من عقل وقلب وحسّ، كاملة مكتملة، متفتحة منكشفة بحيث يحس جميع دقائق الصنعة من ذلك المعرض البهيج، وجميع ما فيه من جمال ولطائف وغرائب، يحس كلاً منها ويتذوقها، مع انه جالس مع الرجل الأول.
فلئن كان هـذا حاصلاً في هذه الدنيا المضطربة المؤلمة الضيقة، ويكون الفرق بينهما كالـفرق بين الثرى والثريا، فلابد - بالطريق الأولى

(1) رواه البخاري في الادب 96 ومسلم برقم 2640 عن ابي موسى الاشعري واخرجه احمد 4/392 ، 395 ، 398، 405 وابن حبان 557 والترمذي، الزهد 50 - المترجم.

لايوجد صوت