(فالنباتات والجمادات) تقوم بعملها دون درايةٍ لقصد الصانع الحكيم، ودون أن تأخذ أجرة لقاء خدماتها العظيمة، ولكن تقوم بها بأمرةِ مَن يعلم بقصد المالك. و(الحيوانات) تقوم بخدمات عظيمة كلية دون دراية أيضاً، ولكن بأجرة جزئية. و (الانسان) يُستخدم في اعمال موافقة لما يعلم من مقاصد الصانع ذي الجلال مقابل أجرتين - آجلة وعاجلة - مع أخذٍ لنصيب نفسه أيضاً من كل شئ، ورعايته العمال الآخرين، النباتات والحيوانات..
نعم، فما دام استخدام هذه الأنواع مشاهداً عياناً فلابدّ أن هناك قسماً رابعاً بل هم مقدمة صفوف الخَدَمة والعمال، فهم يتشابهون مع الانسان من ناحية، حيث يعلمون المقاصد العامة للصانع ذي الجلال، فيعبدونه بحركاتهم المنسجمة مع أوامره، ولكنهم يختلفون عن الانسان من ناحية اخرى وهي انهم مجرّدون من حظوظ النفس وأخذ الاجرة الجزئية إذ يكتفون بما يحصلونه من اللذة والذوق والكمال والسعادة بمجرّد نظره سبحانه اليهم، ومن اوامره لهم، وتوجههه اليهم، وقربهم منه، وانتسابهم اليه فيسعون لأجله، وباسمه، فيما يخصهم من أعمال بكل اخلاص.. واولئك هم الملائكة، فتتنوع وظائف عبوديتهم حسب اجناسهم، وحسب انواع الموجودات في الكون؛ اذ كما أن للحكومة موظفين مختلفين حسب اختلاف وتنوع دوائرها، كذلك تتنوع تسبيحات ووظائف العبودية باختلاف الدوائر في سلطنة الربوبية.
فمثلاً: سيدنا ميكائيل عليه السلام بأمر من الله ولأجله، وبحوله وقوته، هو كالمشرف العام - اذا جاز التعبير - على جميع المخلوقات الإلهية المزروعة في حقل الارض، أي هو رئيس جميع مَن هم بحكم المزارع من الملائـكة. وللفاطر الحكيم جل جلاله كذلك مَلَك موكّل عظيم يتولّى باذنه وأمره وبقوّته وحكمته رئاسة جميع الرعاة المعنويين للحيوانات جميعاً.
فما دام على كل موجود من الموجودات الظاهرة مَلَكٌ موكّل، يمثل ما تُظهر تلك الموجودات من وظائف العبودية والتسبيح في عالم الملكوت ويقدّمه - بعلمٍ - الى الحضرة الإلهية المقدّسة الجليلة، فلابدّ