الجسم عبر سني العمر تظل باقية بعينها دون أن تتأثر، لذا فما دام الجسد يزول ويستحدث - مع ثبات الروح - فلابدّ ان الروح حتى عند انسلاخها بالموت إنسلاخاً تاماً، وزوال الجسد كلّه، لا يتأثر بقاؤها ولا تتغير ماهيتها.. اي أنها باقية ثابتة رغم هذه التغيرات الجسدية، وكل ما هنالك ان الجسد يبدّل أزياءه تدريجياً طوال حياته مع بقاء الروح، أما عند الموت فيجرد نهائياً وتثبت الروح. فبالحدس القطعي بل بالمشاهدة نرى ان الجسد قائم بالروح، اي ليست الروح قائمة بالجسد، وانما الروح قائمة ومسيطرة بنفسها. ومن ثم فتفرّق الجسد وتبعثره بأي شكل من الأشكال وتجمّعه لايضر باستقلالية الروح ولا يخل بها أصلاً. فالجسد عــشّ الروح ومسكنها وليس بردائها. وانما رداء الروح غلاف لطيف وبدن مثالي ثابت الى حدٍّ ما ومتناسب بلطافته معها. لذا لا تتعرّى الروح تماماً حتى في حالة الموت بل تخرج من عشّها لابسة بدنها المثالي وأرديتها الخاصة بها.
المنبع الثاني: آفاقي
وهو حكم نابع من المشاهدات المتكررة والوقائع المتعددة ومن التجارب الكثيرة.
نعم، اذا ما فُهم بقاء روح واحدة بعد الممات، يستلزم ذلك بقاء (نوع) تلك الروح عامة. إذ المعلوم في علم المنطق أنه اذا ظهرت خاصّة (ذاتية) في فرد واحد يحكم على وجود تلك الخاصة في جميع الأفراد؛ لأنها خاصة ذاتية، فلابدّ من وجودها في كل فرد. والحال أن بقاء الروح لم يظهر في فرد واحد فحسب، بل أن الآثار التي تستند الى المشاهدات التي لا تعدّ ولا تحصى والامارات التي تدل على بقائها ثابتة بصورة قطعية الى درجة أنه كما لايساورنا الشك ولايأخذنا الريب أبداً في وجود القارة الامريكية المكتشفة حديثاً واستيطانها بالسكان، كذلك لايمكن الشك ان في عالم الملكوت والارواح الآن ارواحاً غفيرة للأموات لها علاقات معنا، اذ أن هدايانا المعنوية تمضي اليها، وتأتينا منها فيوضاتها النورانية.
وكذلك يمكن الاحساس وجداناً بالحدس القطعي، بأن ركناً أساساً