الكلمات | الكلمة التاسعة والعشرون | 709
(688-734)

في كيان الانسان يظل باقياً بعد موته. وهذا الركن الأساس هو الروح، حيث أن الروح ليست معرضة للإنحلال والخراب؛ لأنها بسيطة ولها صفة الوحدة. اذ الانحلال والفساد هما من شأن الكثرة والاشياء المركبة. وكما بيّنا سابقاً فان الحياة تؤمّن طرزاً من الوحدة في الكثرة، فتكون سبباً لنوع من البقاء أي أن الوحدة والبقاء هما أساسا الروح حيث تسري منهما الى الكثرة. لذلك فإن فناء الروح إما أن يكون بالهدم والتحلّل أو بالأعدام؛ فأما الهدم والتحلّل فلا تسمح لهما الوحدة والتفرد بالولوج، ولا تتركهما البساطة للافساد، وأما الاعدام فلا تسمح به الرحمة الواسعة للجواد المطلق، ويأبى جُوده غير المحدود أن يستردّ ما أعطى من نعمة الوجود الى روح الانسان اللائقة والمشتاقة الى ذلك الوجود.
المنبع الثالث
الروح قانون أمري، حيّ، شاعر، نوراني، وذات حقيقة جامعة، معدّة لاكتساب الكلية والماهية الشاملة وقد اُلبست وجوداً خارجياً؛ اذ من المعلوم أن أضعف الأوامر القانونية يظهر عليها الثبات والبقاء، لأنه اذا أمعنا النظر نرى بأن هناك (حقيقة ثابتة) في جميع الأنواع المعرّضة للتغيّر، حيث تتدحرج ضمن التغيرات والتحولات وأطوار الحياة مبدّلة صوراً واشكالاً مختلفة، ولكنها تظل هي باقية حيةً ولا تموت ابداً. فالقانون الذي يسري على (نوع) من الأحياء الاخرى يكون جارياً ايضاً على الشخص (الفرد) للأنسان؛ اذ الانسان (الفرد) حسب شمول ماهيته، وكلّية مشاعره وأحاسيسه، وعموم تصوّراته، قد اصبح في حكم (النوع) وان كان بعدُ فرداً واحداً؛ لأن الفاطر الجليل قد خلق هذا الأنسان مرآة جامعة، وشاملة، مع عبودية تامة، وماهية راقية، فحقيقته الروحية في كل فرد لا تموت أبداً - بإذن الله - وان بدّلت مئات الآلاف من الصور، فتستمر روحه حية كما بدأت حية؛ لذا فان الروح التي هي حقيقة شعور ذلك الشخص وعنصر حياته باقية دائماً وأبداً بابقاء الله لها وبأمره واذنه تبارك وتعالى.
المنبع الرابع:

لايوجد صوت