الليل والنهار، وفي الشتاء والربيع، وفي الهواء، وحتى في جسد الانسان خلال حياته، والنوم الذي هو أخو الموت.. تشابه الحشر والنشر، وهي نوعٍ من القيامة لكل منها، وتُشعر بحدوث القيامة الكبرى وتخبر عنها رمزاً. فمثلما ساعاتنا تعدُّ اليوم، والساعة، والدقيقة، والثانية بحركة تروسها فتُخبر عقاربها بحركتها عن كل واحدة منها، وبالتي تليها - أي أن كل واحدة منها مقدمة للتي تليهاــ كذلك هذه الدنيا فهي كساعة إلهية عظيمة، تعمل بدورانها وتعاقبها على عدّ الأيام والسنين فتخبر كل منها عن التي تليها وهي مقدمة لها. فكما أنها تُحدث الصبح بعد الليل، والربيع بعد الشتاء، كذلك تُخبرنا رمزاً عن حدوث صبح القيامة بعد الموت وصدورها من تلك الساعة العظمى.
وهناك اشكال مختلفة كثيرة من أنواع القيامة يـمرّ بها الانسان في فترة حياته، ففي كل ليلة هناك نوع من الموت وفي الصباح يرى نوعاً من البعث، أي انه يرى ما يشبه امارات الحشر، بل انه يرى كيف تتبدّل جميع ذرات جسمه في بضع سنين، حتى انه يرى نموذج قيامةٍ وحشرٍ تدريجيين مرتين في السنة الواحدة من تلك التبدلات التي تحصل في أجزاء جسمه جميعها. ويشاهد كذلك الحشر والنشور والقيامة النوعية في كل ربيع في اكثر من ثلاثمائة الف من أنواع النباتات والحيوانات.. فهذا الحشد من الامارات والاشارات التي لا تحدّ على الحشر، وهذا الحدّ من العلامات والرموز التي لا تحصى على النشور.. ما هو الاّ بمثابة ترشحات للقيامة الكبرى تشير الى الحشر الاكبر. فحدوث مثل هذه القيامة النوعية وما يشبه الحشر والنشور في الانواع، من قبل الخالق الحكيم، باحيائه جميع الجذور وقسماً من الحيوانات بعينها، واعادته سبحانه سائر الاشياء والأوراق والازهار والاثمار بمثلها، يمكن أن يكون دليلاً على القيامة الشخصية لكل فرد انسـاني ضمن القيامة العامة. حيث ان (الفرد) الانساني يقـابل (النوع) من الكائنات الأخرى؛ لأن نور الفكر أعطى من السعة العظيمة لآماله وأفكاره بحيث يتمكن ان يحيْط بالماضي والمستقبل،