عنها الحديث الشريف (عجب الذنب)(1) التي هي - الاجزاء الأساس - والذرات الأصيلة الكافية وحدها ان تكون اساساً لأنشاء النشأة الآخرة عليها،فالخالق الحكيم يبني من جديد جسد الانسان على ذلك الأساس.
وأما القياس العدلي الذي تشير اليه الآية الكريمة:
﴿وما ربُّك بظلاّمٍ للعَبيد﴾ فخلاصته:
اننا نرى كثيراً في عالمنا: ان الظالمين والفجّار يقضون حياتهم في رفاه وراحة تامة أما المظلومون والمتدينون فيقضونها في شظفٍ من العيش بكل مشقة وارهاق.. ومن ثم يأتي الموت فيحصد الأثنين معاً دون تمييز، فلو لم تكن هناك نهاية مقصودة ومعينة لظهر الظلم إذن في المسألة؛ لذا فلابدّ من الاجتماع الأخروي بينهما حتى ينال الأول عقابه وينال الثاني ثوابه؛ اذ المنزّه عن الظلم سبحانه وتعالى وهو العادل الحكيم - بشهادة الكائنات قاطبةً - لا يمكن بحال من الأحوال أن تقبل عدالته وحكمته هذا الظلم ولا يمكن أن ترضيا به، فالنهاية المقصودة اذن حتميّـة؛ لأن رؤية هذا الانسان الكادح المنهوك جزاءه وثوابه - حسب استعداده - يجعله رمزاً للعدالة المحضة ومداراً لها، ومظهراً للحكمة الربّانية ومنسجماً مع الموجودات الحكيمة في الكون واخاً كبيراً لها.
نعم، إنّ دار الدنيا القصيرة هذه لا تكفي - كما انها ليست ظرفاً - لأظهار ما لا يحدّ من الاستعدادات المندمجة في روح الانسان واثمارها، فلابدّ ان يرسَل هذا الانسان الى عالم آخر.. نعم، ان جوهر الانسان عظيم، لذا فهو رمز للأبدية ومرشح لها. وان ماهيته عالية وراقية؛ لذا اصبحت جنايته عظيمة؛ فلا يشبه الكائنات الأخرى، وان نظامه دقيق ورائع، فلن تكون نهايته دون نظام، ولن يُهمل ويذهب
(1) عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله y : ((كل ابن آدم يأكله التراب الاّ عجب الذنب، منه خلق ومنه يركّب)) رواه مسلم وابو داود وابن ماجه. والعجب: اصل الذنب. - المترجم.