الكلمات | الكلمة التاسعة والعشرون | 718
(688-734)

الجمادات الى عالم الأحياء، وهنا بعد أن دخلت جسماً معيناً - رزقاً له - تسير وفق نظم معينة وحركات مطردة وحسب دساتير خاصة، اذ بعد أن تنضج في اربعة مطابخ وتُمررّ باربعة انقلابات عجيبة وتصفّى باربعة مصاف، تُهيّأ للتوزيع الى أقطار الجسم واعضائه المختلفة حسب الحاجات المتباينة لكل عضو، وتحت رعاية الرزاق الحقيقي وعنايته وبقوانينه المنتظمة، فاذا تأملت بعين الحكمة اية ذرّة من تلك الذرات فانك سترى: ان الذي يسوق تلك الذرّة ويسيّرها انما يسوقها بكل بصيرة، وبكل نظام، وبملء السمع والعلم المحيط.. فلا يمكن بحال من الأحوال ان يتدخل فيه (الاتفاق الأعمى) و (الصدفة العشواء) و (الطبيعة الصمّاء) و (الأسباب غير الواعية)؛ لأن كل ذرة من الذرات عندما دخلت الى أيّ طور من الأطوار ابتداءً من كونها عنصراً في المحيط الخارجي وانتهاءً الى داخل الخلية الصغيرة من الجسم، كأنما تعمل بارادة وباختيار حسب القوانين المعينة في كل طور من تلك الأطوار، اذ هي حينما تدخل فانها تدخل بنظام، وعندما تسير في أية مرتبة من المراتب فانها تسير بخطوات منتظمة الى درجة تظهر جلياً كأن أمر سائقٍ حكيم يسوقها.
وهكذا وبكل انتظام، كلما سارت الذرة من طور الى طور ومن مرتبة الى أخرى لا تحيد عن الهدف المقصود حتى تصل الى المقام المخصص لها بأمر ربّاني في قزحية عين (توفيق)(1) مثلاً.. وهناك تقف لتنجز وظائفها الخاصة وتؤدي ما أنيط بها من أعمال، وهكذا فان تجلّى الربوبية في الارزاق، يبين ان تلك الذرات - منذ البداية - كانت معينّة ومأمورة، وكانت مسؤولة عن وظيفة، وكانت مهيّأة مستعدة للوصول الى تلك المراتب المخصصة لها، وكأن كل ذرة مكتوب على جبينها ما ستؤول اليها - أي انها ستكون رزقاً للخلية الفلانية - مما يشير لنا هذا النظام الرائع الى ان اسم كل انسان مكتوب على رزقه، كما أن رزقه مكتوب على جبينه بقلم القدر. 
(1) من تلاميذ الاستاذ النورسي الاوائل، وأحد كتّاب رسائل النور. - المترجم.

لايوجد صوت