قصر العالم هذا في أبدع ما يكون، بحيث ان كل موجود فيه يذكر كمالاته بألسنة كثيرة، ويدل على جماله باشارات عديدة، حتى ان الكائنات تُظهِر بكل موجود فيها؛ كم من كنــوز معنـوية مخفية ضمن كل اسم من اسماء الله الحسنى، وكم من لطائف مستترة ضمن كل عنوان مقدس!. بل ان دلالتها هذه هي من الوضوح والجلاء ما جعل جميع الفنون والعلوم بجميع دساتيرها قاصرة عن بلوغ ما في كتاب الكون من بدائع الأدلة منذ زمن آدم عليه السلام، علماً أن ذلك الكتاب لم يُفصِح بعدُ عن عُشرِ معشار ما يعبَّر عنه من معاني الاسماء والكمالات الإلهية.
وهكذا فالصانع ذو الجلال والجمال والكمال الذي شيّد هذا القصر البديع معرضاً لرؤية جماله وكماله المعنوي واراءته، تقتضي حكمتُه، ان يعلّم احد ذوي الشعور في الارض معاني آيات ذلك القصر، لئلا تبقى معانيه عبثاً لا نفع لهم منها.. وان يرقيه الى العوالم العلوية التي هي منابع ما في ذلك القصر من أعاجيب، ومخازن ما فيه من محاصيل.. وان يرفعه الى درجة عالية هي فوق جميع مخلوقاته ويشرّفه بقرب حضوره، ويسيّره في عوالم الآخرة، مكلفاً اياه بوظائف ومهماتٍ، ليكون معلماً لعموم عباده.. داعياً اياهم الى سلطان ربوبيته.. مُبلّغاً اياهم بوظائف مرضيات الوهيته.. مفسراً لهم آياته التكوينية في القصر.. وامثالها من الوظائف الاخرى التي يبين بها سبحانه للعالمين اجمع فضلَ هذا المختار وعظمة منزلته بما قلّده من أوسمة المعجزات، ويُعَـلِّمهم - بالقرآن الكريم - انه المبلّغ الصادق والترجمان الأمين.
وهكذا، فقد بينّا بضع حكَمٍ للمعراج من بين حِكَمه الكثيرة، وذلك في ضوء هذا المثال وعليك ان تقيس بقية الحِكَم على منواله.
المثال الثاني:
اذا ما ألّف شخص عليم كتاباً معجزاً بحيث أن كل صحيفة منه تزخر بحقائق ما في مائة كتاب، كل سطر منه يحوي على معاني لطيفة لما في مائة صحيفة، كل كلمة منه تنطوي على حقائق ما في