جيش يضم اربعمائة طائفة متنوعة من الجنود، كل منها تختلف عن الاخرى فيما يعجبها من ملابس، وتتابين فيما تشتهيه من اطعمة وتتغاير فيما تستعمله بيُسر من اسلحة، وتتنوع فيما تتناوله من علاجات تناسبها.. فعلى الرغم من هذا التباين والاختلاف في كل شئ، فان تلك الطوائف الاربعمائة لا تتميز الى فرق وافواج، بل يتشابك بعضها في بعض من دون تمييز.. فاذا ما وُجد سلطانٌ واحد يعطي لكل طائفة ما يليق بها من ملابس، وما يلائمها من ارزاق، وما يناسبها من علاج، وما يوافقها من سلاح، بلا نسيانٍ لأحد ولا التباس ولا اختلاط، ومن دون أن يكون له مساعد ومعين، بل يوزعها كلها عليهم بذاته، بما يتصف به من رحمة ورأفة وقدرة وعلم معجز واحاطة تامة بالامور كلها، مع عدالة فائقة وحكمة تامة.. نعم، اذا ما وُجد سلطان كهذا الذي لا نظير له، وشاهدتَ بنفسك اعماله المعجزة الباهرة، تدرك عندئذٍ مدى قدرته ورأفته وعدله. ذلك لأن تجهيز كتيبة واحدة تضم عشرة اقوام مختلفين باعتدة متباينة وألبسة متنوعة أمر عسير جداً، حتى يُلجأ الى تجهيز الجيش بطراز معين ثابت من الالبسة والاعتدة مهما اختلفت الاجناس والاقوام.
فاذا شئت - في ضوء هذا المثال - أن ترى تجلي اسم الله (الحق) و (الرحمن الرحيم) ضمن نطاق العدل والحكمة، فسرّح نَظَرَك في الربيع الى تلك الخيام المنصوبة على بساط الأرض لأربعمائة الفٍ من الامم المتنوعة، الذين يمثلون جيش النباتات والحيوانات، أنعم النظر فيها تجد ان جميع تلك الامم والطوائف، مع انها متداخلة، وألبستهم مختلفة وارزاقهم متفاوتة واسلحتهم متنوعة وطرق معيشتهم متباينة وتدريبهم وتعليماتهم متغايرة، وتسريحاتهم واجازاتهم متميزة.. وهم لا يملكون ألسنة يطالَبون بها تأمين حاجاتهم وتلبية رغابتهم.. مع كل هذا فان كلاً منها تدار وتربى وتراعى باسم (الحق والرحمن والرزاق والرحيم والكريم) دون التباس ولا نسيان ضمن نطاق الحكمة والعدل بميزان دقيق وانتظام فائق.. فشَاهِد هذا التجلي وتأمّل فيه؛ فهل يمكن أن يتدخل أحد غير الله سبحانه وتعالى في هذا العمل