الكلمات | الموقف الثالث | 893
(867-904)

أما محبتك لأولادك، اي حبك لمن استودعك الله اياهم أمانةً، لتقوم بتربيتهم ورعايتهم.. فحب اولئك المؤنسين المحبوبين من خلق الله، انما هو حب مكلل بالسعادة والبهجة، وهو نعمة إلهية في الوقت نفسه، فاذا شعرت بهذا فلا يَنْتَبك الحزن على مصابهم ولا تصرخ متحسراً على وفاتهم. اذ - كما ذكرنا سابقاً - ان خالقهم رحيم بهم حكيم في تدبير امورهم وعند ذلك تقول ان الموت بحق هؤلاء لهو سعادة لهم. فتنجو بهذا من ألم الفراق وتتفكر ان تستدر رحمته تعالى عليك.
أما محبتك للأصدقاء والأقرباء، فلانها لوجه الله تعالى، فلا يُحول فراقهم ولا موتهم عن دوام الصحبة معهم، ودوام اخوتكم ومحبتكم ومَوانستكم؛ اذ تدوم تلك الرابطة الروحية والحب المعنوي الخالص، فتـدوم بدورهمـا لـذة اللـقـاء ومتعة الوصال.. ولكن ان لم يكن ذلك الحب لأجله تعالى ولا في سبيله، فان لذة لقاء يوم واحد يورث آلام الفراق لمائة يوم(1).
أما محبتك للأنبياء عليهم السلام والأولياء الصالحين، فان عالم البرزخ الذي هو عالم مظلم موحش في نظر ارباب الضلالة والغفلة تراه منازل من نور تنورت باولئك المنورين، وعندها لا تستوحش من اللحاق بهم، ولا تجفل من عالم البرزخ، بل تشتاق اليه، وتحن اليه من دون أن يعكر ذلك تمتعك بالحياة الدنيا.. ولكن لو كان حبهم شبيهاً بحب ارباب المدنية لمشاهير الانسانية، فان مجرد التفكر في فناء اولئك الأولياء الكاملين، وترمم عظامهم في مقبرة الماضي الكبرى، يزيد ألماً على آلام الحياة، ويدفع المرء الى تصور موته وزواله حيث يقول سأدخل يوماً هذه المقبرة التي ترمم عظام العظماء! يقوله بكل مرارة وحسرة وقلق.. بينما في المنظور الأول يراهم يقيمون براحة وهناء في عالم البرزخ الذي هو قاعة المستقبل ورواقه، بعد ان تركوا ملابسهم الجسدية في الماضي.. فينظر الى المقبرة نظرة شوق وأنس. 
(1) ان ثانية واحدة من لقاء في سبيل ا تعالى تعد سنة من العمر، بينما سنة من لقاء لاجل الدنيا الفانية لاتساوي ثانية. - المؤلف

لايوجد صوت