الكلمات | الموقف الثالث | 894
(867-904)

ثم أن محبتك للأشياء الجميلة والامور الطيبة، لما كانت محبة في سبيل الله، وفي سبيل معرفة صانعها الجليل بحيث يجعلك تقول: ما اجمل خلقه!. فان هذه المحبة في حد ذاتها تفكر ذو لذة ومتعة، فضلاً عن انها تفتح السبيل امام اذواق حب الجمال والشوق الى الحسن لتتطلع الى مراتب اذواق اسمى وارفع ، وتريه هناك كنوز تلك الخزائن النفيسة فيتملاها المرء في نشوة سامية عالية؛ ذلك لان هذه المحبة تفتح آفاقاً امام القلب ليحوّل نظره من آثار الصانع الجليل الى جمال افعاله البديعة، ومن جمال الافعال الى جمال اسمائه الحسنى، ومن جمال الاسماء الحسنى الى جمال صفاته الجليلة، ومن جمال الصفات الجليلة الى جمال ذاته المقدسة.. فهذه المحبة وبهذا السبيل انما هي عبادة لذيذة وتفكر رفيع ممتع في الوقت نفسه.
أما محبتك للشباب، فلأنك قد احببت عهد شبابك لكونه نعمة جميلة لله سبحانه، فلا شك انك ستصرفه في عبادته تعالى ولا تقتله غرقاً في السفه وتمادياً في الغي؛ اذ العبادات التي تكسبها في عهد الشباب انما هي ثمرات يانعة باقية خالدة أثمرها ذلك العهد الفاني، فكلما جاوزت ذلك العـهـد وطـعـنـت في السـن حصلت على مزيد من ثمراته الباقية، ونجوت تدريجياً من آفات النفس الأمارة بالسوء وسيئات طيش الشباب. فترجو من المولى القدير ان يوفقك الى كسب المزيد من العبادة في الشيخوخة، لتكون أهلاً لرحمته الواسعة. وتربأ بنفسك ان تكون مثل اولئك الغافلين الذين يقضون خمسين سنة من عمر شيخوختهم وشيبهم أسفاً وندماً على ما فقدوه من متاع الشباب في خمس او عشر سنوات. حتى عبّر أحد الشعراء عن ذلك الندم والأسف بقوله:
ألا لَيتَ الشَبابَ يعودُ يوماً فاُخبره بِمَا فَعَلَ المَشِيبُ
أما محبتك للمناظر البهيجة ولا سيّما مناظر الربيع، فحيث انها مشاهدة لبدائع صنع الله واطلاع عليها، فذهاب ذلك الربيع لا يزيل لذة المشاهدة ومتعة التفرج، اذ يترك وراءه معانيه الجميلة، حيث الربيع

لايوجد صوت