فيا عابد الأسباب. أيها المسكين!. ما تفسير هذه الحقائق المهمة الثلاث التي وضعناها بين يديك؟ وكيف يمكنك ان تقنع نفسك بأوهامك؟ ان كنت راشداً فمزّق حجاب الأسباب وقل: (هو الله وحده لا شريك له) وتحرر من الأوهام المضلّة.
النافذة الثامنة والعشرون
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمواتِ وَالاَرْضِ وَاخْتِلافُ اَلْسِنَتِكُم
وَالْوَانِكُمْ اِنَّ في ذلِكَ لاياتٍ لِلْعَالمينَ﴾(الروم:22)
لو نتأمل في هذه الكائنات فسنشاهد أنَّ في كل شئ ابتداءً من حجيرات الجسم وانتهاءً بمجموع العالم كله، حكمة شاملة، ونظاماً متقناً.
فلدى فحصنا لحجيرات الجسم نجد أن تدبيراً بالغ الاهمية ينظّم شؤون تلك الحجيرات المتناهية في الصغر؛ ينظمها حسبَ أوامر مَنْ يرى مصالح الجسم كله، ويدير اموره. فكما أن قسماً من الأغذية يدَّخر في الجسم على صورة شحوم داخلية تُصرف عند الحاجة، كذلك نجد في كل من تلك الحجيرات الصغيرة قابلية إدِّخار دقيقة. ثم ننظر الى النباتات فنجد أنها مشمولة بتربية خاصة. وننظر الى الحيوانات فنجد أنها تعيش في بحبوحة من الكرم العميم. وننظر الى أركان الكون العظيمة فنجد أن ادارةً وتنويراًً في منتهى العظمة يكتنفانه من كل جوانبه ويفضيان به الى غايات عظيمة وجليلة. وننظر الى مجموع الكون كله، فاذا به يتجلى أمامنا وكأنه مملكة منسقة الأرجاء، أو مدينة رائعة الجمال، أو قصر منيف باذخ، وإذا بنا أمام أنظمة دقيقة ترقى به لبلوغ حكم عالية وغايات سامية.
فكما أثبتنا في الموقف الأول من الكلمة الثانية والثلاثين:
ان الموجودات مرتبطة ببعضها ارتباطاً معنوياً وثيقاً الى حد لا يدع مجالاً قط لمداخلة أي شريك، حتى بمقدار ذرة واحدة من المداخلة، ابتداءً من الذّرات وانتهاءً بالمجرات.