تستطيع الحفظ والتسجيل؟ ام رياح المصادفات العشوائية؟
فلا يمكن أن تكون هذه المعجزة الباهرة الاّ من إبداع (صانعٍ حكيمٍ) جعلَ تلك (القوة الحافظة) مكتبة أو سجلاً يضم صحائف أعمال الأنسان، ليذكّره بأن ربَّه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ احصاها، وليعرضه أمام المشهد الأعظم يوم الحساب.. خذ (القوة الحافظة) في ذهن الانسان، وقس عليها سائر المسبّبات من بيوض ونوى وبذور وأمثالها من المعجزات البديعة المصغرة، تَرَ أينما وليتَ نظرك وفي أي مصنوع كان، فإنك أمام خوارق إبداع لا يقوى عليها سببٌ من الأسباب، بل حتى لو اجتمعت الأسباب جميعها لأيجاد تلك الصنعة الخارقة لأظهرت عجزها عجزاً تاماً ولو كان بعضها لبعض ظهيراً.
ولنأخذ الشمس مثلاً - التي يُظَنّ أنها سبب عظيم - فلو قيل لها مفترضين فيها الشعور والإختيار: أيتها الشمس العظيمة! هل تستطيعين إيجادَ جسم ذبابة واحدة؟ فلاشك أنها ستردُّ قائلة:
إنَّ ما وهبني ربي من ضياء، وأغدق عليَّ من حرارة وألوان، لا يؤهلني للخلق، ولا يمنحني ما يتطلبه إيجاد ذبابة من عيون وسمع وحياة، لستُ مالكة لشئ منها قط، فهذا الأمر هو فوق طاقتي كلياً.
نعم، كما أن الابداع الظاهر على (المسبَّبات) وروعة جمالها قد عَزَلت الأسباب وسلبتها قدرة الخلق، ودلَّتنا بلسان حالها على مسبِّب الأسباب، وسلَّمتْ الأمور كلها بيد الله كما جاء في الآية الكريمة:﴿وَالَيه يُرْجَعُ الاَمْرُ كُلُّهُ﴾(هود:123) كذلك النـتائج التـي نيطت بالمسبَّبات، والغـايات الناشئة والفـوائد الحاصلة منها، تظهر جميعاً بداهـةً أن وراء حجاب الأسباب ربّاً كريماً، حكيماً، رحيماً، وأن ما نراه من أشياء ليست إلاّ من صنعه وإبداعه سبحانه.
ذلك لأن (الأسباب) التي هي بلا شعور عاجزة كلياً عن ملاحظة - مجرد ملاحظة - غاية لشئٍ مُسَبّبٍ، بينما اي مخلوق يرد الوجود لا تُناط به حكمة واحدة بل حكمٌ عديدة جداً وفوائد جمَّة وغايات شتى.