الكلمات | الكلمة الثالثة والثلاثون | 949
(905-964)

أي أن الرب الحكيم والكريم هو الذي يُوجِد الأشياء ثم يرسلها الى هذا العالم ويجعل تلك الفوائد غاية وجودها. فمثلاً:
ان الأسباب الظاهرة لتكوين المطر، عاجزة عجزاً مطلقاً، وبعيدةٌ كل البعد عن أن تشفق على الحيوانات، أو تلاحظ أمورها وترحمها وتنزل لأجلها.
إذن فالذي تكفّل برزقها هو الخالق الجليل الذي يرسل المطر ويغيثها رحمة بها، وكأنه - أي المطر - رحمة متجسمة لكثرة ما فيه من آثار الرحمة والفوائد الجمة. ومن هنا أطلق على المطر اسم (الرحمة).
ثم ان التزيينات البديعة والجمال المبتسم على النباتات والحيوانات التي تملأ وجه المخلوقات قاطبة، وجميع المظاهر الجمالية عليها، تدل على أن وراء ستار الغيب مدبّراً يريد أن يعرِّف نفسه ويحبّبها بهذه المخلوقات الجميلة البديعة وتدل على وجوب وجوده ووحدانيته.
إذن فالتزيينات الرائعة في الأشياء، وما في مظاهرها من جمال بديع، وكيفياتها المتسمة بالحكمة، كلها تدل قطعاً على صفتي التعريف والتوّدد. وهاتان الصفتان - التعرف والتودّد - تشهدان بالبداهة على صانع قدير معروف ودود، فضلاً عن شهادتهما على وحدانيته سبحانه..
وزبدة الكلام: ان السبب الذي نراه شيئاً عادياً جداً، وعاجزاً عجزاً تاماً، قد استند اليه مسبَّبٌ في منتهى الإتقان والنفاسة. فهذا (المسبَّب) المتقن لا بد أنه يعزل ذلك السبب العاجز عن القيام بايجاده.
ثم ان غاية (المسبَّب) وفوائده ترفع الأسباب الجاهلة والجامدة فيما بينها وتسلمها الى يد الصانع الحكيم.
ثم ان التزيينات المنقوشة على ملامح (المسبَّب) وما يتجلى عليها من عجائب الرحمة تشير الى صانع حكيم يريد ان يُعرِّف قدرتَهُ الى ذوي الشعور من مخلوقاته، ويحبّب نفسه اليهم.

لايوجد صوت