فَمَنْ لم يكن مسخِّراً لحُكمه جميع المجرات والنجوم والسيارات ويملك زمام أمورها ويتصرف بمقاليد شؤونها، لا يمكنه ان يُوقِعَ حُكمَهُ، ويُمْضي أمرهُ على ذرة واحدة، أي - بعبارة أخرى - مَنْ يكون رباً حقيقياً على ذرة واحدة ينبغي ايضاً أن يكون مالكاً لمقاليد الكون كله.
وفي ضوء ما أوضحنا وأثبتنا في (الموقف الثاني) من الكلمة الثانية والثلاثين: أنه من يعجز عن الهيمنة على السماوات كلها يعجز عن رسم خطوط سيماء الانسان، أي إن لم يكن ربّاً لما في السماوات والأرض، لا يستطيع أن يخط ملامح وجه انسان، ويضع عليه علاماته الفارقة.
وهكذا تجد أمامك نافذة واسعة سعة الكون كله فإذا ما أطْلَلْتَ منها تجد - حتى بعين العقل - أن الآيات الكريمة الآتية، قد كُتبت بحروف كبيرة واضحة على صفحات الكون كله:
﴿الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلىَ كُلِّ شيء وكيلٌ لَهُ مَقَاليدُ السَّمواتِ وَالاَرْضِ﴾(الزمر:62 - 63).
لذا فَمَنْ لا يستطيع رؤية هذه الحروف البارزة العظيمة المسطرة على صحيفة الكائنات، فما هو إلاّ واحد من ثلاثة إما فاقد عقله..أو فاقد قلبه. أو آدمي الصورة أنعامي التطلعات.
النافذة التاسعة والعشرون
﴿وَاِنْ مِنْ شَيءٍ اِلاَّ يسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾(الاسراء:44)
كنت سارحاً في رفقة غربتي، أسوح مع الفكر، وأجول مع الخيال والتأمل، فقادتني قدماي الى سفح رابية مزدانة بالخضرة، فرنت اليَّ - على استحياء - من وسط هذا البساط الأخضر، زهرة صفراء ساطعة الصفرة، وألوت بجيدها اليَّ تناغيني بودّ ومحبَّة، فأثارت مشاعري وأشواقي الى زهرات مثلها كنت التقيَها في ربوع بلدتي (وان) وفي