سائر المدن الأخرى التي كانت تحتضن غربتي مرةً بعد أخرى، فانثال هذا المعنى فجأةً على قلبي، وها أنذا أسرده كما ورد:
هذه الزهرة الرقيقة ليست الاّ طغراء على صفحة الجمال، وختم يختم به خالقُ الجمال رسالته الخضراء الى العالم، فَمَنْ كانت هذه الزهرة طغراءه ونقشه على البساط الأخضر فأن جميع الأنواع من هذه الزهرة إذن هي أختامه على بسط الأرض جميعاً، وعلامات وحدة صنعه.
وعقب هذه الصورة المتخيلة ورد الى القلب هذا التصور؛ إن الختم المختوم به أية رسالة كانت إنما يدل على صاحب الرسالة. فهذه الزهرة إنما هي ختم رحماني على رسالة الرحمن. وهذه الرسالة هي سفح التل الصغير المسطور فيها الكلمات البليغة للنباتات والأعشاب، والمحفور فوقها أنواع الزخارف الحكيمة الإتقان. فهذه الرسالة إذن تعود لصاحب الختم هذا.
ثم أوغلت في التأمل أكثر فأكثر. فاذا بهذا السفح الجميل يتحول في نظري ويأخذ صورة ختم كبير وواضح على رسالة هذه الفلاة الممتدة بعيداً. وانتصب السهل المنسبط أمام خيالي رسالةً رحمانيةً رائعةً، ختمُها هذا السفح الجميل. وقد أفضى بي هذا التصور الى هذه الحقيقة:
كما أن كلّ ختم على أية رسالة يشير الى صاحبها، فكل شئ كالختم يُسنِد جميعَ الأشياء التي تحيط به الى خالقه الرحيم، وكأنه ختم رحماني. فكل شئ من حوله يمثل رسالةً لخالقه الرحيم.
وهكذا، فما من شئ الاّ ويغدو نافذة توحيد عظيمة الى حد يسلّم جميع الأشياء الى الواحد الأحد... كل شئ - ولا سيما الأحياء - يملك من النقوش الحكيمة والإتقان البديع بحيث أن الذي خلقه على هذه الصورة البديعة قادرٌ على خلق جميع الأشياء، أي أن الذي لا يستطيع أن يخلق جميع الأشياء لا يمكن أن يخلق شيئاً واحداً.
أيها الغافل!
تأمل في وجه الكائنات تجد أن صحيفة الموجودات ما هي الاّ