ثم يأخذه الى الغيب، ويأتي مكانه بآخر، وهكذا ينشر الواحدَ تلو الآخر في تعاقب مستمر، معلقاً تلك العوالم بشكل متسلسل على شريط الزمان.
فترى الربيع معجزة باهرة من معجزات القدير الجليل، يُوجِدُ فيه الأشياء من (العدم) ويجدد تلك العوالم الشاسعة من غير شئ مذكور. فالذي يبدل تلك العوالم، ويجددها ضمن العالم الأكبر، ليس الاّ رب العالمين الذي بسط سطح الأرض مائدةً عامرةً لضيوفه الكرام.
أما موضوع (الإمكان) فقد قال المتكلمون:
إنَّ (الإمكان) متساوي الطرفين، أي اذا تساوى العدم والوجود بالنسبة الى شئ ما، فلابُدَّ من مخصّص ومرجّح وموجد.
لأن الممكن لا يمكنه بداهةً ان يُوجِدَ ممكناً آخر مثله. أي لا يمكنُ ان يُوجَدَ الممكنُ الآخر، لأنَّ وجوده يكونُ سلسلةً دائرةً مغلوقةً من (الممكنات). فلابدَّ إذن من (واجب الوجود) يوجِدُ الأشياء كلها..
ولقد فنَّد علماء الكلام فكرة (الدّور والتسلسل) وأثبتوا بطلانها باثنى عشر برهاناً سُميت بالبراهين (العرشية والسلمية) وقطعوا سلسلة الأسباب والمسبَّبات وأثبتوا بذلك (الواجب الوجود).
ونحن نقول:
إنَّ اظهار الختم الخاص للخالق الجليل على كل شئ المختوم به كل شئ لهو أسهل وأقوى وضوحاً من برهان (انقطاع سلسلة الأسباب) ثم بلوغ اثبات الخالق جلَّ وعلا.
ولقد درجت بفيض القرآن جميعُ (الكلمات) و (النوافذ) على هذا المدرج السهل القاطع. ومع ذلك فان بحث (الإمكان) واسع جداً، إذ يبينُ الخالقَ من جهات لا حصر لها، وليس منحصراً بما سلكه المتكلمون من طريقٍ لإثبات الصانع باثبات انقطاع التسلسل، فالطريق واسعة بلا حدود، اذ تؤدي الى معرفة لا حدود لها لمعرفة واجب الوجود.
وتوضيح ذلك كالآتي:
بينما نرى كُلَّ شئٍ، في وجوده وفي صفاته وفي مدة بقائه وحياته،