متردداً ضمن طرق إمكانات واحتمالات لا حدَّ لها، إذا بنا نشاهده قد سلك من بين تلك الجهات التي لا حدَّ لها طريقاً منتظماً خاصاً به، وتُمنح كل صفة من صفاته كذلك بهذا الطراز المخصَّص، بل تُوهَبُ له بتخصيص معين صفات وأحوال يبدّلها باستمرار ضمن حياته وبقائه..
إذن فَسَوقُ كل شئٍ الى طريق معينة، واختيار الطريق المؤدية الى حِكَم معينة، من بين طرق غير متناهية. إنما هو بإرادة مخصِّص، وبترجيح مُرجِّح، وبأيجاد موجدٍ حكيم. إذ ترى الشئ يُلبَس لباس صفات منتظمة، وأحوال منسقة معينة مخصصة له، ثم تراه يُساق - أي هذا الشئ - ليكون جزءاً من جسم مركب، فيخرج بهذا من الإنفراد، وعندئذٍ تزداد طرق الإمكانات أكثر، لأنَّ هذا الجزء يمكن أن يتخذ ألوفاً من الأشكال والأنماط في ذلك الجسم المركب، والحال إننا نرى أنه يُمنح له وضع معين ذو فوائد ومصالح، ويُختارُ له هذا الوضع من بين ما لا يُحدّ من الأوضاع التي لا جدوى له فيها. أي يُساق الى أداء وظائف مهمة وبلوغ منافع شتى لذلك الجسم المركب.
ثم نراه قد جُعل جزءاً من جسم مركب آخر، فتزداد طرق الإمكانات أكثر، لأن هذا الجسم كذلك يمكن أن يتشكل بألوف الأنماط، بينما نراه قد أختير له وضعٌ معين ضمن الألوف المؤلفة من الطرز والأنماط، فيساق الى أداء وظائف اخرى... وهكذا كلما اوغلتَ في الإمكانات تبيّن لك بجلاء ان جميع هذه الطرق توصلك الى مدبّر حكيم، وتجعلك تقتنع اقتناعاً تاماً بأن كل شئ يساق الى وظيفة بأمر آمر عليم. حيث أن جميع المركبات مركبة من أجزاء، وهذه مركبة من أجزاء اخرى.. وهكذا فكل جزء موضوع في موضع معين من المركب، وله وظائفه المخصصة في ذلك المكان.. يشبه ذلك علاقة الجندي مع فصيله وسريته ولوائه وفرقته والجيش كله. فله علاقات معينة ذات حكمة مع جميع تلك التشكيلات العسكرية المتداخلة، وله مهمات ذات تناسق معين مع كل منها.. وبمثل الخلية التي في بؤبؤ عينك، لها علاقة وظيفية مع عينك، ولها وظيفة ذات حكمة ومصالح