باب غني رحيم، فيتضرع اليه بالدعاء والتوسل.
أي أن في كل وجدان نافذتين صغيرتين من جهة نقطة الاستناد والاستمداد، فيتطلع الانسان منهما دوماً الى ديوان رحمة القدير الرحيم.
أما الوجه الثاني: فهو أن الانسان مرآة لتجليات الأسماء الحسنى، اذ ان ما وهِبَ من نماذج جزئية من (العلم، والقدرة، والبصر، والسمع، والتملك، والحاكمية) وأمثالها من الصفات الجزئية، يصبح مرآة عاكسة يُعرَف منها الصفات المطلقة لله سبحانه وتعالى، وادراك علمه وقدرته وبصره وسمعه وحاكميته وربوبيته، فيفهم تلك الصفات المطلقة للربوبية بالنسبة لمحدوديتها عنده.. ولا شك أنه بعد ذلك سيحاور نفسه ويقول مثلاً:
كما أنني قد قمت ببناء هذا البيت، وأعلم تفاصيله، وأشاهد جميع جوانبه وأجزائه، وأديره بنفسي، فأنا مالكه، كذلك لابد لهذا الكون العظيم من مبدعٍ ومالكٍ يعرف اجزاءه معرفة كاملة، ويبصر كل صغيرة وكبيرة فيه، ويديره.
الوجه الثالث: لكون الانسان مرآة عاكسة للأسماء الحسنى، فهو ايضاً مرآة عاكسة لها من حيث نقوشها الظاهرة عليه. ولقد وضِحَ هذا بشئ من التفصيل في مستهل (الموقف الثالث) من الكلمة (الثانية والثلاثين( ان (الماهية) الجامعة للأنسان، فيها أكثر من سبعين نقشاً ظاهراً من نقوش الأسماء الإلهية الحسنى، فمثلاً:
يبين الأنسان من كونه مخلوقاً، اسمَ الصانع (الخالق) ويُظهر من حسن تقويمه اسمَ (الرحمن الرحيم) ويدلّ من كيفية تربيته ورعايته على اسم (الكريم) واسم (اللطيف). وهكذا يُبرز الانسان نقوشاً متنوعة ومختلفة للأسماء الحسنى المتنوعة بجميع أعضائه وأجهزته، وجوارحه وبجميع لطائفه ومعنوياته، وبجميع حواسه ومشاعره.
أي كما أن في الأسماء الحسنى أسماً أعظم لله تعالى، فهناك نقش أعظم في نقوش تلك الأسماء وذلك هو الانسان.