الكلمات | اللوامع | 990
(965-1035)

وبهذه المدنية يعم السلام الشامل، اذ هو في موقف الدفاع ضد اي عدوان خارجي.
والآن! ندرك لِمَ اعرض العالم الاسلامي عن المدنية الحاضرة، ولم يقبلها، ولم يدخل المسلمون فيها بارادتهم.
انها لا تنفعهم، بل تضرهم. لانها كبّلتهم بالاغلال، بل صارت سماً زعافاً للانسانية بدلاً من ان تكون لها ترياقاً شافياً؛ اذ ألقت ثمانين بالمائة من البشرية في شقاء، لتعيش عشرة بالمائة منها في سعادة مزيفة. اما العشرة الباقية فهم حيارى بين هؤلاء وهؤلاء.
وتتجمع الارباح التجارية بايدي أقلية ظالمة، بينما السعادة الحقة، هي في اسعاد الجميع، أو في الأقل ان تصبح مبعث نجاة الاكثرية.
والقرآن الكريم النازل رحمة للعـالمين لا يقبل الاّ طرازاً من المدنية التي تمنح السعادة للجميع او الاكثرية، بينما المدنية الحاضرة قد اطلقت الاهواء والنوازع من عقالها، فالهوى حر طليق طلاقة البهائم، بل اصبح يستبد، والشهوة تتحكم، حتى جعلتا الحاجات غير الضرورية في حكم الضرورية. وهكذا مُحيت راحة البشرية؛ اذ كـان الانسان في البداوة محتاجاً الى اشياء اربعة، بينما، افقرته المدنية الحاضرة الآن وجعلته في حاجة الى مائة حاجة وحاجة. حتى لم يعد السعي الحـلال كافياً لسد النفقات، فدفعت المدنية البشرية الى ممارسة الخداع والانغماس فـي الحرام. ومن هنا فسدت اسس الاخلاق، اذ أحاطت المجتـمع والبشرية بهالة من الهيبة ووضعت في يدها ثروة الناس فاصبح الفرد فقيراً وفاقداً للأخلاق.
والشاهد على هذا كثير، حتى ان مجموع ما ارتكبته البشرية من مظالم وجرائم وخيانات في القرون الاولى قاءتها واستفرغتها هذه المدنية الخبيثة مرة واحدة. وسوف تصاب بالمزيد من الغثيان في قابل أيامها(1). 
(1) معنى انها ستتقيأ قيئاَ اشد وافظع. نعم ! لقد قاءت واستفرغت بحربين عالميتين حتى لطخت بالدم البر والبحر والهواء ـ المؤلف().

لايوجد صوت