فمما ينبغي الاّ ننكر ان في المدنية محاسن كثيرة، الاّ انها ليست من صنع هذا العصر، بل هي نتاج العالم وملك الجميع، اذ نشأت بتلاحق الافكار وتلاقحها، وحث الشرائع السماوية - ولا سيما الشريعة المحمدية - وحاجة الفطرة البشرية. فهي بضاعة نشأت من الانقلاب الذي احدثه الاسلام. لذا لا يتملكها احدٌ من الناس.
وهنا عاد رئيس المجلس فسأل قائلاً:
يا رجل هذا العصر! ان البلاء ينزل دوماً نتيجة الخيانة، وهو سبب الثواب. ولقد صفع القدر صفعته ونزل القضاء بهذه الامة. فبأىٍ من اعمالكم قد سمحتم للقضاء والقدر حتى أنزل القضاء الإلهي بكم البلاء ومسّكم الضر؟ فان سبب نزول المصائب العامة هو خطأ الاكثرية من الناس.
قلت:
ان ضلال البشرية وعنادها النمرودي وغرورها الفرعوني، تضخّم وانتفش حتى بلغ السماء ومسّ حكمة الخلق، وأنزل من السموات العلا ما يشبه الطوفان والطاعون والمصائب والبلايا.. تلك هي الحرب العالمية الحاضرة. اذ أنزل الله سبحانه لطمة قوية على النصارى بل على البشرية قاطبة. لأن أحد أسبابها التي يشترك فيها الناس كلهم هو الضلال الناشئ من الفكر المادي، والحرية الحيوانية، وتحكّم الهوى.
أما ما يعود الينا من سبب فهو:
اهمالنا اركان الاسلام وتركنا الفرائض؛ اذ طلب منا سبحانه وتعالى ساعة واحدة من اربع وعشرين ساعة، طلبها لأجلنا نحن، لأداء الصلوات الخمس، فتقاعسنا عنها. واهملناها غافلين، فجازانا بتدريب شاق دائم لأربع وعشرين ساعة طوال خمس سنوات متواليات، أي أرغمنا على نوع من الصلاة!
وانه سبحانه طلب منا شهراً من السنة نصوم فيه رحمة بأنفسنا. فعزّت علينا نفوسُنا فأرغمنا على صوم طوال خمس سنوات، كفّارة لذنوبنا.