الكلمات | الكلمة العاشرة | 109
(56-121)

أي اِنّ عدم وجود هذه العلاقة بين هذه الموجودات وشؤونها وبين غاياتها التي تعود الى الدنيا، يشهد شهادة قاطعة، ويدل دلالة واضحة على ان هذه الموجودات متوجهة الى عالم المعنى، حيث تعطي ثمارها اللطيفة اللائقة هناك، وان انظارها متطلعة الى الاسماء الحسنى، وان غاياتها ترنو الى ذلك العالم. ومع ان بذورها مخبوءة تحت تراب الدنيا الاّ ان سنابلها تبرز في عالم المثال. فالانسان - حسب استعداده - يَزرع ويُزرع هنا ويحصد هناك في الآخرة.
نعم! لو نظرت الى وجوه الموجودات المتوجهة الى الاسماء الحسنى والى عالم الآخرة لرأيت:
ان لكل بذرة - وهي معجزة القدرة الإلهية - غايات كبيرة كبر الشجرة.
وان لكل زهرة - وهي كلمة الحكمة(1) - معاني جمّة بمقدار ازهار الشجر.
وان لكل ثمرة - وهي معجزة الصنعة وقصيدة الرحمة - من الحِكَم ما في الشجرة نفسها. أما من جهة كونها أرزاقاً لنا فهي حكمة واحدة من بين الوف الحكم، حيث أنها تنهي مهامها، وتوفي مغزاها فتموت وتدفن في معداتنا.
فما دامت هذه الاشياء الفانية تؤتي ثمارها في غير هذا المكان، وتودع هناك صوراً دائمة، وتعبّر عن معانٍ خالدة، وتؤتي اذكارها وتسابيحها الخالدة السرمدية هناك. فالانسان اذن يصبح انساناً حقاً مادام يتأمل وينظر الى تلك الوجوه المتوجهة نحو الخلود. وعنده يجد سبيلاً من الفاني الى الباقي.
اِذن هناك قصد آخر ضمن هذه الموجودات المحتشدة والمتفرقة

(1) فان قلت: لِمَ تورد اغلب الامثلة من الزهرة والبذرة والثمرة؟
الجواب: لانها ابدع معجزات القدرة الإلهية واعجبها وألطفها. ولمّا عجز اهل الضلالة والطبيعة والفلسفة المادية من قراءة ما خَطه قلم القدر والقدرة فيها من الكتابة الدقيقة، تاهوا وغرقوا فيها، وسقطوا في مستنقع الطبيعة الآسن.ـ المؤلف.

لايوجد صوت