الكلمات | الكلمة العاشرة | 112
(56-121)

السموات والارض والجبال ان يحملنها، أي خَلقَه ليعرف صفات خالقه سبحانه الشاملة المحيطة وشؤونه الكلية وتجلياته المطلقة، بموازينه الجزئية وبمهاراته الضئيلة.. والذي بَرأه بشكل ألطف المخلوقات واعجزها وأضعفها. فسخر له جميعَها من نبات وحيوان، حتى نصبه مشرفاً ومنظماً ومتدخلاً في انماط تسبيحاتها وعباداتها.. والذي جعله نموذجاً - بمقاييس مصغّرة - للاجراءات الإلهية في الكون، ودلاّلاً لاعلان الربوبية المنزهة - فعلاً وقولاً - على الكائنات، حتى منحه منزلة اكرم من منزلة الملائكة، رافعاً اياه الى مرتبة الخلافة.. فهل يمكن ان يهب سبحانه للانسان كل هذه الوظائف ثم لا يَهَبَ له غاياتها ونتائجها وثمارها وهي السعادة الابدية؟ فيرميه الى درك الذلّة والمسكنة والمصيبة والاسقام، ويجعله أتعس مخلوقاته؟ ويجعل هذا العقل الذي هو هدية مباركة نورانية لحكمته سبحانه ووسيلة لمعرفة السعادة آلةَ تعذيبٍ وشؤم، خلافاً لحكمته المطلقة، ومنافاة لرحمته المطلقة؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
الخلاصة: كما اننا رأينا في الحكاية أن في هوية الضابط ودفتر خدمته رتبته، ووظيفته ومرتّبه وأفعاله وعتاده، واتضح لدينا أن ذلك الضابط لا يعمل لأجل هذا الميدان المؤقت، بل لما سيرحل اليه من تكريم وإنعام في مملكة مستقرة دائمة.
كذلك فان ما في هوية قلب الانسان من لطائف، وما في دفتر عقله من حواس، وما في فطرته من اجهزة وعتاد متوجهة جميعاً ومعاً الى السعادة الابدية،بل ما مُنحت له الاّ لأجل تلك السعادة الأبدية. وهذا ما يتفق عليه أهل التحقيق والكشف.
فعلى سبيل المثال:
لو قيل لقدرة التخيل في الانسان وهي أحدى وسائل العقل وأحد مصوّريه: ستُمنح لكِ سلطنةَ الدنيا وزينتها مع عمر يزيد على مليون سنة ولكن مصيرك الى الفناء والعدم حتماً. نراها تتأوه وتتحسر. (ان لم يتدخل الوهم وهوى النفس).

لايوجد صوت