والامتثال والموازنة) فلابدّ أنه يتساوى أمام القدير المطلق القليل والكثير، والصغير والكبير، وحشرُ فرد واحد وجميع الناس بصيحة واحدة، وذلك بالتجليات (النورانية) المطلقة لقدرته الذاتية المطلقة وهي في منتهى الكمال، و (الشفافية) و (النورانية) في ملكوتية الاشياء، و (انتظام) الحكمة والقدرة، و (امتثال) الاشياء وطاعتها لأوامره التكوينية امتثالاً كاملاً، وبسر (موازنة) الامكان الذي هو تساوي الممكنات في الوجود والعدم.
ثم ان مراتب القوة والضعف لشئ ما عبارة عن تداخل ضده فيه، فدرجات الحرارة - مثلاً - ناتجة من تداخل البرودة، ومراتب الجمال متولدة من تداخل القبح، وطبقات الضوء من دخول الظلام. اِلاّ انّ الشئ ان كان ذاتياً غير عرضي، فلا يمكن لضده أن يدخل فيه، واِلا لزم اجتماع الضدين وهو محال. أي أنه لا مراتب فيما هو ذاتي وأصيل. فما دامت قدرة القدير المطلق ذاتية، وليست عرضية كالممكنات، وهي في كمال المطلق، فمن المحال اذن أن يطرأ عليها العجزُ الذي هو ضده. أي ان خلق الربيع بالنسبة لذي الجلال هيّن كخلق زهرة واحدة، وبعث الناس جميعاً سهل ويسير عليه كبعث فرد منهم، بخلاف ما اذا اُسند الامرُ الى الاسباب المادية، فعندئذٍ يكون خلقُ زهرةٍ واحدة صعباً كخلق الربيع.
***
وكل ما تقدّم من الامثلة والايضاحات - منذ البداية - لصور الحشر وحقائقه ما هي اِلاّ من فيض القرآن الكريم، وما هي اِلا لتهيئة النفس للتسليم والقلب للقبول؛ اذ القول الفصل للقرآن الكريم والكلام كلامه، والقول قوله، فلنستمع اليه.. فلله الحجَّة البالغة...
﴿فانظر الى آثار رَحمتِ الله كيف يُحيي الأرضَ بعدَ موتِها إنّ ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير﴾(الروم: 50)
﴿قال مَن يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي انشأها أول مرة وهو