الكلمات | الكلمة العاشرة | 63
(56-121)

ان هناك سلطنة عظيمة حقاً(1) تحكم من وراء ستار. فمثل هذه السلطنة تقتضي حتماً رعايا يليقون بها. بينما تشاهد انهم قد اجتمعوا في هذا المضيف - مضيف الدنيا - والمضيف يودّع يومياً صنوفاً منهم ويستقبل صنوفاً. وهم قد حضروا في ميدان الامتحان والاختبار هذا، غير أن الميدان يُبدّل كل ساعة، وهم يلبثون قليلاً في هذا المعرض العظيم، يتفرجون على نماذج آلاء المليك الثمينة وعجائب صنعته البديعة، غير ان المعرض نفسه يحوّل كل دقيقة، فالراحل لا يرجع والقابل يرحل كذلك.. فهذه الامور تبين بشكل قاطع ان وراء هذا المضيف الفاني، ووراء هذه الميادين المتبدلة، ووراء هذه المعارض المتحولة، قصور دائمة خالدة، ومساكن طيبة ابدية وجنائنُ مملوءة بحقائق هذه النماذج، وخزائن مشحونة باصولها.
فالاعمال والافعال هنا اذن ما هي الا لأجل ما اُعدّ هنالك من جزاء. فالملك القدير يكلف هنا ويجازي هناك، فلكل فردٍ لون من السعادة حسب استعداده وما اقدم عليه من خير.

(1) فكما ان الجيش الهائل في ميدان المناورات أو مباشرة الحرب، يتحول الى ما يشبه غابة أشواكٍ، بمجرد تسلّمه أمرَ: (خذوا السلاح، ركّبوا الحِراب). وكما يتحول المعسكر برمّته في كل عيد وعرض عسكري الى ما يشبه حديقة جميلة ذات أزهار ملونة بمجرد تسلمه أمر: (احملوا شاراتكم، تقلّدوا أوسمتكم).. كذلك النباتات غير ذات الشعور والتي هي نوع من جنود غير متناهية لله سبحانه ـ كما ان الملائكة والجن والانس والحيوان جنوده ـ فهي عندما تتسلم أمر (كن فيكون) اثناء جهادها لحفظ الحياة وتؤمر بالامر الالهي (خذوا اسلحتكم وعتادكم لأجل الدفاع) تهيء الاشجارُ والشجيرات المشوكة رميحاتها، فيتحول سطح الارض الى ما يشبه المعسكر الضخم المدجج بالسلاح الابيض فكل يوم من ايام الربيع، وكل اسبوع فيه بمثابة عيد لطائفة من طوائف النباتات، فتُظهِر كلُ طائفة منها ما وهّبه لها سلطانها من هدايا جميلة، وما أنعم عليها من أوسمة مرصعة، فتعرض نفسها ــ بما يشبه العرض العسكري ــ امام نظر السلطان الازلي واشهاده، كأنها تسمع أمراً ربانياً: (تقلّدوا مرصعات الصنعة الربانية، واوسمة الفطرة الإلهية التي هي الازهار والثمار... وفتّحوا الازهار). عندئذ يعود سطح الارض كأنه معسكر عظيم في يوم عيد بهيج، وفي استعراض هائل رائع تزخر بالأوسمة البراقة والشارات اللماعة.
فهذا الحشد من التجهيز الحكيم وهذا المدى من العتاد المنظّم وهذا القدر من التزيين البديع يُري لمن لم يفقد بصره انه أمر سلطان قدير لا منتهى لقدرته، وأمر حاكم حكيم لا نهاية لحكمته. ـ المؤلف.

لايوجد صوت