السموات، بل العرش، فيهزّهم وجداً وشوقاً الى دعائه ويجعلهم يرددون: آمين اللّهم آمين(2).
وانظر! انه يسأل السعادة والبقاء الابدي، ويرجوهما من قدير سميع كريم، ومن عليم بصير رحيم يرى ويسمع أخفى حاجة لأضعف مخلوق فيتداركه برحمته، ويستجيب له، حتى إن كان دعاءً بلسان الحال.
نعم، انه يستجيب له ببصيرة ورحمة ويغيثه بحكمة، مما ينقي أية شبهةٌ بأن تلك الرعاية الفائقة ليست الاّ من لدن سميع بصير، وان ذلك التدبير الدقيق ليس اِلاّ من عند كريم رحيم.
نعم، ان الذي يقود جميع بنى آدم على هذه الارض متوجهاً الى العرش الاعظم، رافعاً يديه، داعياً بدعاء شامل لحقيقة العبودية الأحمدية التي هي خلاصة عبودية البشرية.. تُرى ماذا يريد؟ ماذا يريد شرف الانسانية، وفخر الكائنات، وفريد الازمان والاكوان؟!. لننصت اليه.. انه يسأل السعادة الابدية لنفسه ولأمته، انه يسأل الخلود في دار البقاء، انه يسأل الجنة ونعيمها.. نعم، يسألها ويرجوها مع تلك الاسماء الإلهية المتجلية بجمالها في مرآة الموجودات.. انه يستشفع تلك الاسماء الحسنى كما ترى.
أرأيت ان لم يكن شئ من اسباب موجبة لا تعد ولا تحصى للآخرة ولا شئ من دلائل وجودها، أليس دعاء واحد من هذا النبي
(2) نعم، انه لا يمكن بحال من الاحوال ألاّ يطّلعَ ربُّ هذا العالم على افعال مَن هو بالمنزلة الرفيعة من خَلقه، في الوقت الذي يتصرف في الكون بكل علم وبصيرة وحكمة، كما هو مشاهد. ولا يمكن أيضاً بحال من الاحوال ألاّ يبالي ذلك الرب العليم بدعاء هذا العبد المختارمن عباده، وهو المطلع على كل افعاله ودعواته.كذلك لا يمكن بحال من الاحوال ألاّ يستجيب ذلك الرب القدير الرحيم لتلك الدعوات وهو يرى من صاحبها كل التجرد والافتقار اليه.
نعم، لقد تبدل وضع العالم بنور النبي y ، وتبينت حقيقة الانسان والكون وماهيتهما بذلك النور، وانكشفت بذلك الضياء. فظهر: ان موجودات هذا الكون مكاتيب صمدانية تستقرئ الاسماء الحسنى، ومأمورات موظفات، وموجودات نفيسة ذات معنى ومغزى تليق بالبقاء. فلولا ذلك النور لظل الكون مستوراً تحت ظلام الأوهام، محكوماً عليه بالفناء المطلق والعدم، تافهاً دون معنى ودون نفع، بل كان عبثاً وسدى ووليد الصدفة. ولهذا السر فان كل شيءٍ في الارض والسماء، من الثرى الى الثريا يستضيئ بنوره y ويبدى علاقته به مثلما يؤمّن الانسان لدعائه ولا غرو ان روح العبودية المحمدية ومخها انما هو الدعاء بل ان حركات الكون ووظائفه جميعاً ما هي الا نوع من الدعاء، فنمو البذرة وتحولاتها مثلاً ما هو إلاّ نوع من دعاء لبارئها لتصبح شجرة باسقة. ـ المؤلف.