التي تحدث الشتاء والربيع الشبيهين بالقيامة والحشر؟ ولما كان الانسان لا يحاسَب في هذه الدنيا حساباً يستحقه، فلابدّ انه سيذهب يوماً الى محكمة كبرى وسعادة عظمى.
الحقيقة الثامنة
باب الوعد والوعيد
وهو تجلي اسم (الجميل والجليل)
أمن الممكن لمبدع هذه الموجودات وهو العليم المطلق والقدير المطلق ألاّ يوفي بما أخبر به مكرراً الانبياء عليهم السلام كافة بالتواتر من وعد ووعيد، وشهد به الصدِّيقون والاولياء كافة
الوجود منه سطر، وكل سنة منه صحيفة، وكل عصر منه كتاب، رَسَمه قلمُ القدَر، وخطت فيه يدُ القدرة آياتها المعجزة بكل حكمة وانتظام. وان المستقبل الذي يمتد من الآن الى يوم القيامة، والى الجنة، والى الابد، انما هو ضمن الممكنات، أي: كما ان الماضي هو وقائع وقعت فعلاً، فالمستقبل كذلك ممكنات يمكن ان تقع فعلاً. واذا قوبلت سلستا هذين الزمانين فلا ريب في ان الذي خلق الأمس بما فيه من الموجودات قادر على خلق الغد بما سيكون فيه من الموجودات، ولا ريب كذلك ان موجودات وخوارق الزمن الماضي الذي هو معرض العجائب والغرائب هي معجزات القدير ذي الجلال وهي تشهد شهادة قاطعة على: انه سبحانه وتعالى قادر على ان يخلق المستقبل كله، وما فيه من الممكنات كلها، وان يعرض فيه عجائبه ومعجزاته كافة.
نعم، فكما ان الذي يقدر على خلق تفاحة واحدة لابد ان يكون قادراً على خلق تفاح العالم جميعاً، بل على ايجاد الربيع الكبير. اذ من لا يَقدر على خلق الربيع لا يمكن ان يخلق تفاحة، لأن تلك التفاحة تنسج في ذلك المصنع. ومَن يقدِر على خلق تفاحة واحدة فهو اذن قادرٌ على خلق الربيع فالتفاحة مثال مصغّر للشجرة، وللحديقة، بل هي مثال الكائنات جميعاً. والتفاحة من حيث الصنعة والاتقان هي معجزة الصنعة، حيث تتضمن بذورها تاريخ حياة شجرتها. فالذي يخلقها خلقاً بديعاً كهذا لا يعجزه شيء مطلقاً.
وهكذا، فالذي يخلق اليومَ هو قادر على خلق يوم القيامة، والذي يحدث الربيع قادر على احداث الحشر، والذي اظهر عوالم الماضي وعلقها على شريط الزمان ـ بكل حكمة وانتظام ـ لاشك انه يقدر على ان يظهر عوالم اخرى ويعلقها بخيط المستقبل، وسيظهرها حتماً. وقد أثبتنا بشكل قاطع في كثير من (الكلمات) ولا سيما في (الكلمة الثانية والعشرين) بأن (من لا يخلق كل شئ لا يقدر على خلق شئ. ومن يخلق شيئاً واحداً يقدر على ان يخلق كل شيء. وكذلك لو احيل ايجاد الاشياء الى ذات واحدة لسهُلت الاشياء كلها كالشيء الواحد، ولو اسند الى الاسباب المتعددة والى الكثرة لأصبح ايجاد الشيء الواحد صعباً بمقدار ايجاد الاشياء كلها الى درجة الامتناع والمحال) ـ المؤلف.