الكلمات | الكلمة الحادية عشرة | 163
(154-168)

المذكورة.
فيا نفسي الحائرة ويا صديقي المغرم بالهوى!
أتحسبون أن (مهمة حياتكم) محصورة في تلبية متطلبات النفس الامارة بالسوء ورعايتها بوسائل الحضارة اشباعاً لشهوة البطن والفرج؟ أم تظنون أن الغاية من درج ما اُودع فيكم من لطائف معنوية رقيقة، وآلات وأعضاء حساسة، وجوارح وأجهزة بديعة، ومشاعر وحواس متجسسة، انما هي لمجرد استعمالها لإشباع حاجات سفلية لرغبات النفس الدنيئة في هذه الحياة الفانية؟ حاشَ وكلا!!
بل إن خلق تلك اللطائف والحواس والمشاعر في وجودكم وادراجَها في فطرتكم انما يستند الى أساسين اثنين:
الاول: أن تجعلكم تستشعرون بالشكر تجاه كل نوع من أنواع النعم التي أسبغها عليكم المنعم سبحانه. أي عليكم الشعور بها والقيام بشكره تعالى وعبادته.
الثاني: أن تجعلكم تعرفون أقسام تجليات الاسماء الحسنى التي تعم الوجود كله، معرفتها وتذوقها فرداً فرداً.أي عليكم الايمان بتلك الاسماء ومعرفتها معرفة ذوقية خالصة.
وعلى هذين الاساسين تنمو الكمالات الانسانية، وبهما يغدو الانسان انساناً حقاً.
فانظر الآن - من خلال هذا المثال - لتعرف ان الانسان بخلاف الحيوان لم يزوّد بالاجهزة لكسب هذه الحياة الدنيا فقط:
أعطى سيدٌ خادمَه عشرين ليرة ليشتري بها بدلة لنفسه، من قماش معين. فراح الخادم واشتراها من أجود أنواع الاقمشة ولبسها. ثم أعطى السيد نفسه خادماً آخر ألف ليرة ولكن وضع في جيبه ورقة تعليمات وأرسله للتجارة.
فكل مَن يملك مسكة من العقل يدرك يقيناً أن هذا المبلغ ليس لشراء بدلة، اذ قد اشتراها الخادم الاول بعشرين ليرة!
فلو لم يقرأ هذا الثاني ماكُتب له في الورقة، وأعطى كل ما لديه الى صاحب حانوتٍ واشترى منه بدلة - تقليداً لصديقه الآخر - ومن

لايوجد صوت