والعقل المبتلى بمظاهر الدنيا ولا يملك الا معارف آفاقية خارجية، تجره سلسلة أفكاره الى حيث العدم والى غير شئ. فتراه يضطرب من حيرته ويرتعد من هول الموقف فيصرخ يائساً جزعاً، باحثاً عن مخرج من هذا المأزق ليبلغه طريقاً سوياً يوصله الى الحقيقة.
فما دامت الروح قد كفت يدها عن الآفلين الزائلين، والقلب قد ترك المحبوبات المجازية، والوجدان قد أعرض عن الفانيات.. فاستغيثي يا نفسي المسكينة بغياث ابراهيم عليه السلام: ﴿لا أحب الآفلين﴾ وانقذي نفسك.
ضة خوش طويد أو شيدا (جامي) عشق خوى:
وانظري! ما أجمل قول (جامي)(1) ذلك الشاعر العاشق الولهان حتى لكأن فطرته قد عجنت بالحب الإلهي حينما أراد ان يولي الانظار شطر التوحيد ويصرفها عن التشتت في الكثرة... اذ قال:
يكى خواة، يكى خوان، يكى جوى، يكى بين، يكى دان، يكى طوى(2)
أقصد الواحد، فسواه ليس جديراً بالقصد.
أدع الواحد، فما عداه لا يستجيب دعاء
اطلب الواحد، فغيره ليس أهلاً للطلب
شاهد الواحد، فالآخرون لا يشاهَدون دائماً، بل يغيبون وراء ستار الزوال.
اعرف الواحد، فما لا يوصل الى معرفته لا طائل من ورائه.
اذكر الواحد، فما لا يدل عليه من أقوال وأذكار هراء لا يغني المرء شيئاً.
(1) هو نورالدين عبد الرحمن ولد في (جام) من اعمال (هراة) عام 817 هـ (1414)، بعد ان اتم دراسته العلمية اظهر شغفاً شديداً بالتصوف، وكان امامه سعد الدين الكاشغرى احد علماء عصره وشيخ النقشبندية في عهده. توفي عن اثنتين واربعين سنة من العمر. له ثلاثة دواوين من الشعر الوجداني، وسبع مثنويات. ــ المترجم.
(2) هذا البيت لمولانا جامي. ــ المؤلف.