الكلمات | الكلمة الرابعة والعشرون | 454
(436-486)

والحساب.
ولأجل هذا فقد أخفى الحكيم العليم موعدَ قيام الساعة في علمه بين المغيّبات الخمسة، وكان من حكمة الاخفاء هذا أن يخشى الناسُ في جميع العصور قيام الساعة، حتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا أشدّ خشية من قيامها في زمنهم من غيرهم، مع أنهم كانوا يعيشون في خير القرون، وهو قرن السعادة وانجلاء الحقائق، بل قال بعضهم ان أشراط الساعة وعلاماتها قد تحققت. فالذين يجهلون حكمة الاخفاء وحقيقته في الوقت الحاضر يقولون ظلماً: كيف ظن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قرب وقوع حقيقة مهمة وخطيرة ستأتي بعد ألف وأربعمائة سنة، ظنوها قريبة في عصرهم، علماً بأنهم كانوا أقدر المسلمين وأفضلهم في ادراك معاني الآخرة، وأحدّ المؤمنين بصيرة وأرهفهم حساً بارهاصات ما سيأتي به الزمن؟ لكأن فكرهم قد حاد عن الحقيقة الف سنة!
الجواب: لأن الصحابة الكرام - رضى الله عنهم أجمعين - كانوا اكثر الناس تفكراً بالآخرة، وأرسخهم يقيناً بفناء الدنيا، وأوسعهم فقهاً بحكمة اخفاء الله سبحانه لوقت القيامة، وذلك بفضل نور الصحبة النبوية وفيضها عليهم، لذا كانوا منتظرين أجَل الدنيا، متهيئين لموتها كمن ينتظر أجله الشخصى، فسعوا لآخرتهم سعياً حثيثاً.
ثم ان تكرار الرسول y (...فانتظروا الساعة) نابع من هذه الحكمة حكمة الاخفاء والابهام وفيه ارشاد نبوي بليغ، وليس تعييناً لموعد الساعة بالوحي، حتى يُظن بُعده عن الحقيقة، اذ الحكمة شئ يختلف عن العلة.
وهكذا فالاحاديث الشريفة التي هي من هذا القبيل نابعة من حكمة الاخفاء والابهام.
وبناء على هذه الحكمة نفسها، فقد انتظر الناس منذ زمن مديد، بل منذ زمن التابعين ظهور المهدي والدجال السفياني، على أمل اللحاق بهم، حتى قال قسم من الاولياء الصالحين بفوات وقتهم!
فالحكمة في عدم تعيين اوقات ظهورهم هي الحكمة نفسها في عدم

لايوجد صوت