كأيامكم(1). وان الدنيا تسمع صوته، ويسيح الارض في اربعين يوماً.
فالذين لم ينصفوا قالوا: هذه الرواية ضرب من المحالات، وانكروها. حاشَ لله، بل ان حقيقتها - والعلم عند الله - هي الآتي:
ان في الحديث الشريف اشارة الى ظهور شخص من جهة الشمال - الذي هو اكثف منطقة لعالم الكفر - يقود تياراً عظيماً يتمخض من المادية الجاحدة، ويدعو الى الالحاد وانكار الخالق. فمعنى الحديث فيه اشارة الى ظهور هذا الشخص من شمال العالم. وتتضمن هذه الاشارة رمزاً حكيماً وهو:
ان الدائرة القريبة للقطب الشمالي تكون السنة فيها يوماً وليلة، حيث أن ستة أشهر منها ليل والستة الاخرى نهار. اي يوم الدجال هذا سنة واحدة كما ورد (يوم كسنة). فهذه اشارة الى ظهوره قريباً من تلك الدائرة. أما المراد بـ (يوم كشهر) فهو انه كلما تقدمنا من الشمال نحو مناطقنا يكون النهار احياناً شهراً كاملاً حيث لا تغرب الشمس شهراً في الصيف. وهذه اشارة ايضاً الى تجاوز الدجال الى عالم الحضارة بعد ظهوره في الشمال. وهذه الاشارة آتية من اسناد اليوم الى الدجال.. وهكذا كلما اقتربنا نزولاً من الشمال الى الجنـوب نرى الـشمــس لا تغرب اســبوعاً، الى ان يكون الفرق في الشروق والغروب ثلاث ساعات، اي كأيامنا الاعتيادية. وقد كنتُ في مكان كهذا عندما كنت اسيراً في روسيا، فكانت الشمس لا تغرب اسبوعاً في مكان قريب منا، حتى كان الناس يخرجون لمشاهدة المنظر الغريب للغروب.
اما بلوغ صوت الدجال الى انحاء العالم، وانه يطوف الارض في اربعين يوماً، فقد حلّتهما اجهزة الراديو والمخابرة ووسائل النقل الحاضرة من قطارات وطائرات. فالذين انكروا هاتين الحالتين من
(1) الاحاديث في هذا الباب كثيرة نذكر منها: رواية مسلم: ((قلنا يا رسول الله: ما لبثه في الارض؟ قال: اربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر ايامه كايامكم)). (صحيح مسلم بشرح النووى 66/18) واخرجه بسياق قريب ابو داود (4321، 4322)، والترمذي كلهم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه. - المترجم.