الكلمات | الكلمة الخامسة والعشرون | 504
(487-598)

واجب علينا، وكل ما تفعله هو حق.
فانظر الى سمو هذا الاسلوب الخارق في هذه الجمل وأنعم النظر فيه.
 ومثلاً:
﴿يا أرضُ ابلعي ماءكِ وياسماءُ أقلعي ، وغيضَ الماءُ وقضيَ الأمرُ واستوتْ على الجوديّ، وقيلَ بُعداً للقوم الظالمين﴾(هود: 44)
للاشارة الى قطرة من بحر بلاغة هذه الآية الكريمة نبين اسلوباً منها في مرآة التمثيل، وذلك:
ان قائداً عظيماً في حرب عالمية شاملة يأمر جيشه بعد إحراز النصر: اوقفوا اطلاق النار ويأمر جيشه الآخر: كفوا عن الهجوم. ففي اللحظة نفسها ينقطع اطلاق النار ويقف الهجوم، ويتوجه اليهم قائلاً: لقد انتهى كل شئ واستولينا على الأعداء وقد نصبتْ راياتنا على قمة قلاعهم ونال اولئك الظالمون الفاسدون جزاءهم وولوا الى اسفل سافلين.
كذلك، فان السلطان الذي لا ندّ له ولا مثيل، قد أمر السموات والارض باهلاك قوم نوح. وبعد أن امتثلا الأمر توجه اليهما: ايتها الارض ابلعي ماءَك، وانتِ ايتها السماء اسكني واهدأي فقد انتهت مهمتكما. فانسحب الماء فوراً من دون تريث واستوت سفينة المأمور الإلهي كخيمة ضربت على قمة جبل. ولقي الظالمون جزاءهم.
فانظر الى علو هذا الاسلوب، اذ الارض والسماء كجنديين مطيعين مستعدين للطاعة وتلقي الاوامر. فتشير - الآية - بهذا الاسلوب الى ان الكائنات تغضب من عصيان الانسان وتغتاظ منه السموات والارض. وبهذه الاشارة تقول: ( ان الذي تمتثل السموات والأرض بأمره لا يُعصى ولا ينبغي ان يُعصى) مما يفيد زجراً شديداً رادعاً للأنسان. فأنت ترى ان الآية قد جمعت ببيان موجز معجز جميل مجملٍ في بضع جمل حادثة الطوفان التي هي عامةٌ

لايوجد صوت