وان قوله تعالى ﴿وجعل الشمس سراجاً﴾(نوح: 16) اي مصباحاً، يفتح بتعبير (سراجاً) نافذةً لمثل هذا الاسلوب وهو:
انه يُفهِّم عظمة الصانع واحسان الخالق بتذكيره: ان هذا العالم كأنه قصر، وان ما فيه من لوازم واطعمة وزينة قد اُعدت للأنسان وذوي الحياة، وان الشمس أيضاً ما هي إلاّ مصباح مسخر. فيبين بهذا دليلاً للتوحيد، إذ الشمس التي يتوهمها المشركون اعظم معبود لديهم وألمعها ما هي إلاّ مصباح مسخّر ومخلوق جامد.
فاذاً بتعبير (سراجاً) يذكّر رحمة الخالق في عظمة ربوبيته، ويفهّم احسانه في سعة رحمته، ويُشعر - بذلك الافهام - بكرمه في عظمة سلطانه، ويفّهم الوحدانية بهذا الإشعار. وكأنه يقول: ان مصباحاً مسخراً وسراجاً جامداً لا يستحق العبادة بأي حال من الأحوال.
ثم ان جريان الشمس بتعبير (تجري) يذكّر بتصرفات منتظمة مثيرة للاعجاب في دوران الصيف والشتاء والليل والنهار، ويفهّم بذلك التذكير عظمة قدرة الصانع المتفرد في ربوبيته. بمعنى أنه يصرف ذهن الانسان من الشمس والقمر الى صحائف الليل والنهار والصيف والشتاء، ويجلب نظره الى ما في تلك الصحائف من سطور الحادثات المكتوبة.
أجل! ان القرآن لا يبحث في الشمس لذات الشمس بل لمن نوّرها وجعلها سراجاً، ولا يبحث في ماهيتها التي لا يحتاجها الانسان، بل في وظيفتها، اذ هي تؤدي وظيفة نابض (زنبرك) لانتظام الصنعة الربانية، ومركز لنظام الخلقة الربانية، ومكّوك لإنسجام الصنعة الربانية، في الأشياء التي ينسجها المصوّر الازلي بخيوط الليل والنهار.
ويمكنك ان تقيس على هذا سائرَ الكلمات القرآنية فهي وإن كانت تبدو كأنها كلمات مألوفة بسيطة، إلاّ أنها تؤدي مهمة مفاتيح لكنوز المعاني اللطيفة.
وهكذا فلعلو اسلوب القرآن - كما في الوجوه السابقة في الأغلب -