الكلمات | الكلمة الخامسة والعشرون | 507
(487-598)

كان الأعرابي يعشق كلاماً واحداً منه احياناً، فيسجد قبل ان يؤمن، كما سمع احدهم الآية الكريمة ﴿فاصدع بما تؤمر﴾(الحجر 94) فخرَّ ساجداً، فلما سئل: أأسلمت؟ قال: لا بل اسجد لبلاغة هذا الكلام!
النقطة الرابعة:
الفصاحة الخارقة في لفظه. نعم، إن القرآن كما هو بليغ خارق من حيث اسلوبه وبيان معناه، فهو فصيح في غاية السلاسة في لفظه. والدليل القاطع على فصاحته هو عدم ايراثه السأم والملل. كما ان شهادة علماء فن البيان والمعاني برهان باهر على حكمة فصاحته.
نعم! لو كرّر الوف المرات فلا يورث سأماً ولا مللاً. بل يزيد لذةً وحلاوة..ثم أنه لا يثقل على ذهن صبي بسيط فيستطيع حفظه..ولا تسأم منه أذن المصاب بداء عضال الذي يتأذى من ادنى كلام، بل يتلذذ به..وكأنه الشراب العذب في فم المحتضر الذي يتقلب في السكرات، وهو لذيذ في اذنه ودماغه لذة ماء زمزم في فمه.
والحكمة في عدم الملل والسأم من القرآن هو:
ان القرآن قوتٌ وغذاء للقلوب، وقوة وغناء للعقول، وماء وضياء للارواح، ودواء وشفاء للنفوس، لذا لا يُمَلّ. مثاله الخبز الذي نأكله يومياً دون ان نملّ، بينما لو تناولنا اطيب فاكهة يومياً لشعرنا بالملل. فإذاً لأن القرآن حق وحقيقة وصدق وهدى وذو فصاحة خارقة فلا يورث الملل والسآمة ، وانما يحافظ على شبابيته دائماً كما يحافظ على طراوته وحلاوته، حتى ان أحد رؤساء قريش وبلغائها عندما ذهب الى الرسول الكريم ليسمع القرآن، قال بعد سماعه له: (والله ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة .. وما يقوله بشر. ثم قال لقومه: والله ما فيكم رجل اعلم بالشعر مني.. ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا).
فلم يبق امامهم إلاّ ان يقولوا انه ساحر، ليغرروا به أتباعهم ويصدوهم عنه. وهكذا يبقى حتى أعتى اعداء القرآن مبهوتاً أمام فصاحته.

لايوجد صوت