ان ايضاح اسباب الفصاحة في آيات القرآن الكريم وفي كلامه وفي جمله يطول كثيراً، فتفادياً من الإطالة نُقصر الكلام على اظهار لمعة اعجاز تتلمع من اوضاع الحروف الهجائية وكيفياتها في آية واحدة فقط، على سبيل المثال وهي: قوله تعالى: ﴿ثم اَنزلَ عليكم مِن بعدِ الغمّ اَمنةً نُعاسَاً يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ قد أهمّتْهُم أنفسهم يظنونَ بالله غيرَ الحقِ ظنَّ الجاهليةِ يقولون هل لنا من الأمِر من شئٍ، قُل ان الأمرَ كلَّّه لله يُخفون في أنفسهم ما لا يُبْدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قُتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرزَ الذين كُتبَ عليهم القتلُ الى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور﴾(آل عمران: 154)
لقد جمعت هذه الآية جميع حروف الهجاء واجناس الحروف الثقيلة، ومع ذلك لم يفقدها هذا الجمع سلاستها بل زادها بهاءً الى جمالها ومزج نغمة من الـفصاحة نبعت من اوتار متناسبة متنوعـة.
فأنعم النظر في هذه اللمعة ذات الاعجاز وهي: أن الألف والياء لأنهما أخف حروف الهجاء، وتنقلب إحداهُما بالاخرى كأنهما اختان، تكرّر كلٌ منهما احدى وعشرين مرة.. وان الميم والنون(1) لأنهما اختان، ويمكن ان تحل احداهما محل الأخرى فقد ذُكر كلٌ منهما ثلاثاً وثلاثين مرةً.. وان الصاد والسين والشين متآخية حسب المخرج والصفة والصوت فذُكر كل واحد منها ثلاث مرات.. وان العين والغين متآخيتان فذكر العين ست مرات لخفتها بينما الغين لثقلها ذُكرت ثلاث مرات أي نصفه.. وان الطاء والظاء والذال والزاي، متآخية حسب المخرج والصفة والصوت، فذكر كل واحد منها مرتين.. وان اللام والالف متحدتان في صورة (لا)، وان حصة الالف نصف في صورة (لا) فذُكرت اللام اثنتين واربعين مرة، وذُكرت
(1) والتنوين أيضاً نون. ـ المؤلف.