ولا يستخفنَّك عن دعوتك تكذيب هؤلاء المغرورين المتكبرين الذين تجاوزوا طورهم وتعدّوا حدودهم. فعن قريب ستحطم حقائقُك احلامَهم وتكون أثراً بعد عين.
﴿أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون﴾ أم أنهم يريدون أن يكونوا كالمنافقين الذين فسدت فطرتهم وتفسخ وجدانهم، وكالزنادقة المكّارين الذين يصّدون الناس عن الهدى - الذي حرموا منه - بالمكيدة والخـديعـة فيصرفوهم عن سواء السبيل، حتى اطلقوا عليك اسم الكاهن أو المجنون أو الساحر، مع أنهم هم أنفسهم لا يصّدقون دعواهم فكيف بالآخرين؟ فلا تهتم بهؤلاء الكذابين الخداعين ولا تعتبرهم في زمرة الأناسي، بل امضِ في الدعوة الى الله، لا يفترك شئ عنها، فاولئك لا يكيدونك بل يكيدون أنفسهم، ويضرونها بأنفسهم. وما نجاحهم في الفساد والكيد إلاّ أمر مؤقت زائل بل هو استدراج ومكر إلهي.
﴿أم لهم إلهٌ غيرُ الله سبحان الله عما يُشركون﴾ أم أنهم يعارضونك ويستغنون عنك لانهم يتوهمون الهاً غير الله يستندون اليه كالمجوس الذين توهموا إلهين اثنين باسم خالق الخير وخالق الشر! أو كعبّاد الاسباب والاصنام الذين يمنحون نوعاً من الالوهية للاسباب ويتصورونها موئل استناد؟ اذاً فقد عميت ابصارهم أفلا يرون هذا الانتظام الاكمل الظاهر كالنهار في هذا الكون العظيم ولا هذا الانسجام الاجمل فيه!..
فبمقتضى قوله تعالى ﴿لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا﴾ اذا ما حلّ مختاران في قرية، وواليان في ولاية وسلطانان في بلد، فالانتظام يختل حتماً والانسجام يفسد نهائياً. والحال ان الانتظام الدقيق واضح بدءاً من جناح البعوضة الى قناديل السماء. فليس للشرك موضع ولو بمقدار جناح بعوض. فما دام هؤلاء يمرقون من نطاق العقل ويجافون الحكمة والمنطق ويقومون باعمال منافية كلياً للشعور والبداهة، فلا يصرفك تكذيبهم لك عن التذكير والارشاد.