نفسه قسمان:
إما انه حزن منبعث من فقد الأحبة، أي من عدم وجود الأحبة والاخلاء، وهو حزن مظلم كئيب تورثه المدنية الملوثة بالضلالة والمشوبة بالغفلة والمعتقدة بالطبيعة، وإما انه ناشىء من فراق الأحبة، بمعنى ان الأحبة موجودون، ولكن فراقهم يبعث على حزن ينم عن لوعة الاشتياق. فهذا الحزن هو الذي يورثه القرآن الهادي المنير.
أما الفرح والسرور فهو ايضاً قسمان:
الاول: يدفع النفس الى شهواتها، هذا هو شأن آداب المدنية من ادب مسرحي وسينمائي وروائي.
أما الثاني: فهو فرح لطيف برئ نزيه، يكبح جماح النفس ويلجمها ويحث الروح والقلب والعقل والسر على المعالي وعلى موطنهم الاصلي، على مقرهم الابدي، على احبتهم الاخرويين. وهذا الفرح هو الذي يمنحه القرآن المعجز البيان الذي يحض البشر ويشوّقه للجنّة والسعادة الابدية وعلى رؤية جمال الله تعالى.
ولقد توهم بعض قاصري الفهم وممن لايكلفون انفسهم دقة النظر: ان المعنى العظيم والحقيقة الكبرى التي تفيدها الآية الكريمة ﴿قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً﴾ ظنوها صورة محالة ومبالغة بلاغية! حاشَ لله! بل انها بلاغة هي عين الحقيقة، وصورة ممكنة وواقعة وليست محالة قط. فأحد وجوه تلك الصورة هو أنه:
لو اجتمع اجمل ما يقوله الانس والجن الذي لم يترشح من القرآن ولا هو من متاعه، فلا يماثل القرآن قط ولن يماثله. لذا لم يظهر مثيله.
والوجه الآخر: ان المدنية وحكمة الفلسفة والآداب الاجنبية التي هي نتائج افكار الجن والانس وحتى الشياطين وحصيلة اعمالهم، هي في دركات العجز امام احكام القرآن وحكمته وبلاغته. كما قد بيّنا امثلة منها.