الجلوة الثالثة:
خطابه كل طبقة من طبقات الناس
ان القرآن الحكيم يخاطب كل طبقة من طبقات البشر في كل عصر من العصور، وكأنه متوجه توجهاً خاصاً الى تلك الطبقة بالذات. اذ لما كان القرآن يدعو جميع بني آدم بطوائفهم كافة الى الايمان الذي هو اسمى العلوم وادقها، والى معرفة الله التي هي اوسع العلوم وأنورها، والى الاحكام الاسلامية التي هي اهم المعارف واكثرها تنوعاً، فمن الألزم اذاً ان يكون الدرس الذي يلقيه على تلك الطوائف من الناس، درساً يوائم فهم كلٍ منها. والحال أن الدرس واحد، وليس مختلفاً، فلابد اذاً من وجود طبقات من الفهم في الدرس نفسه، فكل طائفة من الناس - حسب درجاتهاــ تأخذ حظها من الدرس من مشهد من مشاهد القرآن.
ولقد وافينا بأمثلة كثيرة لهذه الحقيقة، يمكن مراجعتها، اما هنا فنكتفي بالاشارة الى بضع اجزاءٍ منها، والى حظ طبقة أو طبقتين منها من الفهم فحسب.
فمثلاً:
قوله تعالى: ﴿لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد﴾
فان حظ فهم طبقة العوام التي تشكل الاكثرية المطلقة هو:
(ان الله منزّه عن الوالد والولد وعن الزوجة والأقران)
وحظ طبقة اخرى متوسطة من الفهم هو:
(نفي الوهية عيسى عليه السلام والملائكة، وكل ما هو من شأنه التولد) لأن نفي المحال لا فائدة منه في الظاهر؛ لذا فلابد ان يكون المراد اذاً ما هو لازم الحكم كما هو مقرر في البلاغة. فالمراد من نفي الولد والوالدية اللذين لهما خصائص الجسمانية هو نفي الالوهية عن كل مَن له ولد ووالد وكفو، وبيان عدم لياقتهم للالوهية.
فمن هذا السر تبين: أن سورة الاخلاص يمكن أن تفيد كل انسان في كل وقت.
وحظ فهم طبقة اكثر تقدماً هو: