ﺍﻠﻤﻜﺘﻭﺒﺎﺕ | المكتوب العاشر | 49
(48-51)

فيصح ان يقال: ان البذرة مثلاً عبارة عن مجسّمة مصغرة للبرامج والفهارس التي تنظم جميع تركيب الشجرة الضخمة، وللاوامر التكوينية التي تعيّن تلك التصاميم والفهارس وتحدّدها.
الحاصل: ان (الامام المبين) هو في حكم فهرس وبرنامج شجرة الخلق، الممتدة عروقها واغصانها وفروعها حول الماضي والمستقبل وعالم الغيب. فـ(الامام المبين) بهذا المعنى سجل للقدر الإلهـي، وكراس دساتيره. والذرات تُساق الى حركاتها ووظائفها في الاشياء باملاء من تلك الدساتير وبحكمها. أما (الكتاب المبين) فهو يتوجه الى عالم الشهادة اكثر من توجهه الى عالم الغيب، أي: ينظر الى الزمان الحاضر اكثر مما ينظر الى الماضي والمستقبل. فهو: عنوانٌ للقدرة الإلهية وارادتها، وسجل لهما وكتاب، اكثر مما هو عنوان للعلم الإلهي وأمره. وبتعبير آخر: انه اذا كان (الامام المبين) سجلاً للقَدَر الإلهي فـ(الكتاب المبين) سجل للقُدرة الإلهية. أي أن الانتظام والاتقان في كل شئ، سواءً في وجوده، في ماهيته، في صفاته، في شؤونه يدلان على أن الوجود يُضفى على الشئ وتُعيَّن له صوَره، ويشخَّص مقداره، ويعطى له شكله الخاص، بدساتير قدرة كاملة وقوانين إرادة نافذة. فتلك القدرة الإلهية والارادة الإلهية اذاً لهما مجموعة كلية وعمومية لقوانينه وسجل عظيم، بحيث يُفصَّل ويُخاط ثوبُ أنماط الوجود الخاص لكل شئ ويُلبَس عليه ويُعطى له صوره المخصوصة، وفق تلك القوانين. وقد اثبت وجود هذا السجل في رسالة (القدر الإلهي والجزء الاختياري) كما اثبت فيها (الامام المبين).
فانظر الى حماقة الفلاسفة وارباب الضلالة والغفلة! فلقد شعروا بوجود اللوح المحفوظ للقدرة الإلهية الفاطرة، وأحسّوا بمظاهر ذلك الكتاب البصير للحكمة الربانية، وارادتها النافذة في الاشياء، ولمسوا صُوَره ونماذجه، إلاّْ انهم اطلقوا عليه اسم (الطبيعة) - حاشَ لله - فاخمدوا نورَه.
وهكذا، باملاءٍ من الإمام المبين، أي بحُكم القَدَر الإلهي ودستوره النافذ، تكتب القدرةُ الإلهية - في ايجادها - سلسلةَ الموجودات - التي

لايوجد صوت