ثم ان للشكر انواعاً مختلفة، الاّ أن أجمع تلك الانواع واشملها والتي هي فهرسها العام هو: الصلاة!.
وفي الشكر ايمان صافٍ رائق، وهو يحوى توحيداً خالصاً؛ لأن الذي يأكل تفاحة – مثلاً – باسم الله ويختم أكلها بـ (الحمد لله) إنما يعلن بذلك الشكرَ، على ان تلك التفاحة تذكار خالص صادر مباشرةً من يد القدرة الإلهية، وهي هدية مهداة مباشرة من خزينة الرحمة الإلهية. فهو بهذا القول وبالاعتقاد به يسلـّم كلَّ شئ - جزئياً كان أم كلياً - الى يد القدرة الإلهية، ويُدرك تجلّى الرحمة الإلهية في كل شئ. ومن ثم يُظهر ايماناً حقيقياً بالشكر، ويبيّن توحيداً خالصاً به.
وسنبين هنا وجهاً واحداً فقط من بين وجوه الخسران الكثيرة التي يتردى اليها الانسان الغافل من جراء كفرانه النعمة وكنوده بها.
اذا تناول الانسان نعمةً لذيذة، ثم أدى شكره عليها، فان تلك النعمة تصبح - بوساطة ذلك الشكر ـ نوراً وضّاءً له، وتغدو ثمرة من ثمار الجنة الاُخروية، وفضلاً عما تمنحه من لذة، فان التفكر في أنها أثرٌ من آثار التفات رحمة الله الواسعة وتكرمة منه سبحانه وتعالى يمنح تلك النعمة لذةً عظيمة دائمة وذوقاً سامياً لاحد له. فيكون الشاكر قد بعث أمثال هذه اللــّباب الخالصة والخلاصات الصافية والمواد المعنوية الى تلك المقامات السامية الرفيعة، تاركاً موادَّها المهملة وقشرتَها - التي استنفدت اغراضها وأدّت وظيفتها ولم تعد اليها حاجة - يتم تحولها الى نفايات وفضلات تعود الى أصلها من العناصر الاولية.
ولكن ان لم يشكر المنعم عليه، ربَّه على النعمة، واستنكف عنها، فان تلك اللذة الموقتة تترك بزوالها ألماً وأسفاً، وتتحول هي نفسها الى قاذورات. فتنقلب تلك النعمة التي هي ثمينة كالألماس الى فحم خسيس.
فالأرزاق الزائلة تثمر بالشكر لذائذ دائمة وثمرات باقية، أما النعم الخالية من الشكر فانها تنقلب من صورتها السامية الجميلة الزاهية