احتمال الشرك. بمعنى ان دعوى الشرك دعوى تحكمية بحتة، أو كلام لا معنى له، ودعوى مجردة عن الحقيقة، لذا فان من ادّعى الشرك بعد هذا فهو اذن في جهالة جهلاء وبلاهة بلهاء.
فأمام هذه الحجج الدامغة يبقى داعية اهل الضلالة مبهوتاً لا يتمكن من النطق بشىء إلاّ انه يقول: ان ما في ا لكائنات من ترتيب الاشياء، أمارةٌ على الشرك، اذ كل شئ مربوط بسبب، بمعنى ان للاسباب تأثيراً حقيقياً، واذ لها تأثير، فيمكن ان تكون شركاء!.
الجواب: ان المسببات قد رُبطت بالاسباب بمقتضى المشيئة الإلهية وحكمتها، ولإستلزام ظهور كثير من الاسماء الحسنى، يُربط كل شئ بسبب. ولقد اثبتنا في كثير من المواضع، وفي كلمات متعددة اثباتاً قاطعاً أنه ليس للاسباب تأثير حقيقي في الايجاد والخلق، ونقول هنا:
ان الانسان بالبداهة هو اشرف الاسباب واوسعها اختياراً واشملها تصرفاً في الامور، وهو في اظهر افعاله الاختيارية، كالأكل والكلام والفكر - التي كل منها عبارة عن سلسلة عجيبة وفي غاية الانتظام والحكمة - ليس له نصيب منها الاّ واحداً من مائة جزء من السلسلة.
فمثلاً: سلسلة الافعال التي تبدأ من الاكل وتغذية الحجيرات حتى تبلغ تشكل الثمرات، ليس للانسان - ضمن هذه السلسلة الطويلة - الاّ مضغه للطعام. ومن سلسلة التكلم ليس له الاّ ادخال الهواء الى قوالب مخارج الحروف واخراجه منها. علماً ان كلمة واحدة في فمه مع كونها كالبذرة، الاّ انها في حكم شجرة حيث انها تثمر ملايين الكلمات نفسها في الهواء وتدخل الى اسماع ملايين المستمعين بينما لا تصل الى هذه الشجرة المثالية والسنبل المثالي الاّ يد خيال الانسان.. فأنّى لليد القصيرة للاختيار ان تصل اليه.
فان كان الانسان وهو أشرف الموجودات واكثرها اختياراً، مغلول اليد عن الايجاد الحقيقي، فكيف بالجمادات والبهائم والعناصر والطبيعة، كيف تكون متصرفة تصرفاً حقيقياً؟!.