يكون له عرّيفاً صادقاً مدققاً اميناً مثلك، فالرجاء أن تعلّمنا مما علّمك سيدُنا العظيم.
فذكَّرهم الاستاذ بخطبته المذكورة آنفاً، فاستمعوا اليه خاشعين، وتقبّلوا كلامه بكل رضى واطمئنان، فغنموا أيمّا غنيمة، اذ عملوا ضمن مرضاة سلطانهم، فرضي عنهم السلطان بما أبدوا من رضى وسرور لأوامره. فدعاهم الى قصر أعظم وأرقى لايكاد يوصف، وأكرمهم بسعادة دائمة، بما يليق بالمالك الجواد الكريم، وتلائم هؤلاء الضيوف الكرام المتأدبين، وحريّ بهؤلاء المطيعين المنقادين للاوامر.
أما الفريق الآخر:
وهم الذين قد فسدت عقولهم، وانطفأت جذوة قلوبهم، فما أن دخلوا القصر، حتى غلبتْ عليهم شهواتُهم، فلم يعودوا يلتفتون إلا لما تشتهيه أنفسُهم من الاطعمة اللذيذة، صارفين أبصارهم عن جميع تلك المحاسن، سادّين آذانهم عن جميع تلك الارشادات الصادرة من ذلك المعلم العظيم، وتوجيهات تلاميذه.. فأقبلوا على المأكولات بشراهة ونهم، كالحيوانات، فأطبقت عليهم الغفلة والنوم وغشيهم السُكرُ، حتى فقدوا أنفسهم لكثرة ما أفرطوا في شرب ما لم يؤذن لهم به فازعجوا الضيوف الآخرين بجنونهم وعربدتهم. فأساءوا الادب مع قوانين السلطان المعظم وانظمته، لذا أخذهم جنوده وساقوهم الى سجن رهيب لينالوا عقابهم الحق، جزاءً وفاقاً على ما عملوا من سوء الخُلق.
فيا من ينصت معي الى هذه الحكاية؛ لابد انك قد فهمت ان ذلك السلطان قد بنى هذا القصر الشامخ لأجل تلك المقاصد المذكورة، فحصول تلك المقاصد يتوقف على أمرين:
احدهما:
وجود ذلك المعلم الاستاذ الذي شاهدناه وسمعنا خطابه، اذ لولاه لذهبت تلك المقاصد هباءاً منثوراً، كالكتاب المبهم الذي لا يُفهم معناه،