قامة كل شئ ومقاس كل موجود.. وعلى حلّة العناية هذه قُلّدت شارات (الرحمة) الساطعة ببريق التودد والتكرم والتحنن، والمتلألئة بلمعات الانعام والافضال… وعلى تلك الشارات المرصعة المنورة نُصبت مائدةُ (الرزق) العام على امتداد سطح الأرض بما يكفي جميع طوائف ذوي الحياة وبما يفي سد جميع حاجاتهم.
وهكذا، فهذا العمل يشير اشارة واضحة وضوح الشمس، الى حكيم مطلق الحكمة، وكريم مطلق الكرم، ورحيم مطلق الرحمة، ورزاق مطلق الرزق.
أحقاً ان كل شئ بحاجة الى الرزق؟
نعم، كما اننا نرى ان كل فرد بحاجة الى رزق يديم حياته، كذلك جميع موجودات العالم - ولا سيما الأحياء - الكلّي منها والجزئي، أو الكلّ والجزء، لها في كيانها، وفي بقائها، وفي حياتها وادامتها، مطاليب كثيرة، وضروريات عديدة، مادةً ومعنىً، ومع انها مفتقرةٌ ومحتاجة الى اشياء كثيرة مما لا يمكن أن تصل يدُها الى أدناها، بل لا تكفي قوّةُ ذلك الشئ وقدرتُه للحصول على أصغر مطاليبه، نشاهد ان جميع تلك المطاليب والارزاق المادية والمعنوية تُسلَّم الى يديه من حيث لا يحتسب وبانتظام كامل وفي الوقت المناسب تسليماً موافقاً لحياته متّسماً بالحكمة الكاملة.
ألا يدل هذا الافتقار، وهذه الحاجة في المخلوقات وهذا النمط من الإمداد والإعانة الغيبية، على رب حكيمٍ ذي جلال ومدبّر رحيم ذي جمال؟.
اللمعة الثامنة
مثلما ان زراعة بذورٍ في حقلٍ ما، تدل على ان ذلك الحقل هو تحت تصرف مالك البذرة، وان تلك البذرة هي كـذلك تحــت تصــرفه، فان كلية العنـاصر في مزرعة الارض وفي كل جزء منها مع انها واحدة وبسيطة، وانتشار المخلوقات من نباتات وحيوانات في معظم الاماكن - وهي تمثل ثمرات الرحمة الإلهية ومعجزات قدرته