الافذاذ ينبث كشخصية معنوية في كل مكان في المجتمع، ويحاول الآخرون تقليده في افعاله ويجدّون لبلوغ شأوه، وربما يبلغ واحد منهم مبلغه في هذا الفعل أو ذاك. فالقضية اذن من حيث المنطق هي قضية (ممكنة) لإمكان وجود ذلك الفرد الخارق في كل مكان وجوداً مخفياً ومطلقاً، اي أنه اصبح شخصاً كلياً بعمله هذا، أي من الممكن ان يولّد هذا النوع من العمل نتيجة كهذه.
فانظر في ضوء هذا المثال الى احاديث نبوية شريفة وردت بهذه المعاني: مَن صلى ركعتين كذا فله أجر حجة(1) أي ثواب ركعتين في اوقات معينة يقابل حجة، هذه حقيقة ثابتة. فيجوز اذن ان تحمل كل ركعتين من الصلاة بالكلية هذا المعنى، ولكن الوقوع الفعلي لهذا النوع من الروايات ليس دائماً ولا كلياً، حيث أن للقبول شرائطه المعينة، لذا تنتفي من امثال هذه الروايات صفة الكلية والديمومة؛ فهي اما بالفعل موقتة مطلقة؛ او هي قضية ممكنة، كلية. والكلية في امثال هذه الاحاديث هي من حيث الامكان الاعتباري، كما هو في: الغيبة كالقتل، اي يكون الفرد بالغيبة سماً زعافاً قاتلاً. وكما هو في: الكلمة الطيبة صدقة كعتق رقبة.
والحكمة في ايراد هذه الاحاديث بهذه الصيغة هي:
ابراز امكانية وقوع هذه الصفة المعنوية الكاملة في كل مكان وفي صورتها المطلقة، لأنه أبلغ في الترغيب والترهيب واكثر حضاً للنفوس على الخير وأشد تجنيباً لها من الشر.
ثم ان شؤون العالم الابدي لا توزن بمقاييس عالمنا الحاضر، اذ
(1) عن ابي امامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله y : ((من صلى الغداة في جماعة ثم جلس يذكرالله حتى تطلع الشمس، ثم قام فركع ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة)). اخرجه الطبراني في الكبير (7740) وفي مسند الشاميين (885) وقال الحافظ المنذرى في الترغيب والترهيب: اسناده جيد ومثله كلام الهيثمي في المجمع (10/104) وانظر الاحاديث الواردة في ذلك في صحيح الترغيب والترهيب برقم 468 و 469 و 470). - المترجم.