هؤلاء: اذا أنجزتَ لي هذا العمل فسأكافئك برتبة السلطان - اي بمكانة آمر الفوج - فهذا القول حقيقة وصواب، حيث ان عظمة السلطان في ذهن السامع وفي فكره المحدود هي بمقدار عظمة آمر الفوج ليس الا.
وهكذا فنحن لا نكاد نفهم حتى بمثل هذا البدوي الحقائق الواردة في ثواب الاعمال المتوجهة الى الآخرة، بعقولنا الضيقة وبافكارنا القاصرة وبنظرنا الدنيوي الكليل؛ اذ ان ما في الحديث الشريف ليس هو عقد لموازنة بين الثواب الحقيقي الذي يناله موسى وهارون عليهما السلام، والذي هو مجهول لدينا، وبين الثواب الذي يناله العبد الذاكر للورد؛ لأن قاعدة التشبيه هي قياس المجهول على المعلوم، أي ادراك حُكم المجهول من حُكم المعلوم. أي ان الموازنة هي بين ثوابهما ((المعلوم)) لدينا حسب تصورنا، والثواب الحقيقي للعبد الذاكر ((المجهول)) عندنا.
ثم ان صورة الشمس المنعكسة من سطح البحر ومن قطرة ماء هي الصورة نفسها، والفرق في النوعية فقط، فكلاهما يعكسان صورة الشمس وضوءها، لذا فأن روح كل من موسى وهارون عليهما السلام التي هي مرآة صافية كالبحر تنعكس عليها من ماهية الثواب ما ينعكس على روح العبد الذاكر التي هي كقطرة ماء. فكلاهما ثواب واحد من حيث الماهية والكمية الا ان النوعية تختلف، اذ تتبع القابلية.
ثم ان ترديد ذكر وتسبيح معين، أو تلاوة آية واحدة قد تفتح من ابواب الرحمة والسعادة ما لا تفتحه عبادة ستين سنة، اي ان هناك حالات تمنح فيها آية واحدة من الفوائد ما للقرآن الكريم كله.
ثم ان الفيوضات الربانية المتجلية على الرسول الكريم y بتلاوته آية واحدة قد تكون مساوية لفيض إلهي كامل على نبي آخر؛ اذ هو y موضع تجلي الاسم الاعظم. فاذا قيل ان العبد الذاكر قد تعرض الى نفحة من ظل الاسم الاعظم بفضل وراثة النبوة ونال ثواباً بها بمقدار قابليته، بقدر الفيض الإلهي على نبي آخر، فليس في قوله خلاف للحقيقة قط.
ثم ان الثواب والأجر من عالم النور الخالد الذي يمكن ان ينحصر