عن العقل.
والأمر كذلك (ولله المثل الاعلى): ان الذي يبعث أجساد الاحياء قاطبة من غير شئ كأنها أفراد جيش ضخم بكمال الانتظام وبميزان الحكمة، ويجمع ذرات تلك الاجساد ولطائفها ويحفظها بأمر (كن فيكون) في كل قرن، بل في كل ربيع، على وجه الارض كافة، ويوجِد مئات الالوف من امثالها من انواع ذوي الحياة. ان القدير العليم الذي يفعل هذا هل يمكن أن يستبعد منه جمع الذرات الاساسية والاجزاء الاصلية المتعارفة تحت نظام الجسد كأنها افراد جيش منظم، بصيحة من صور اسرافيل؟ إن استبعاد هذا من ذلكم القدير العليم لا محالة جنون!
وفي مقام (الارشاد) فان البيانات القرآنية مؤثرة ورفيعة ومؤنــسة ورقيقة حتى أنها تملأ الروح شوقاً والعقل لهفة والعين دمعاً. فلنأخذ هذا المثال من بين الآف امثلته:
﴿ثم قسَتْ قُلوبكُم منْ بعدِ ذلك فهي كالحجارةِ أو أشدُّ قسوةً وانَّ من الحجارة لَمَا يتفجّر منه الانهارُ وانّ منها لَمَا يشّقّـق فيخرجُ منه الماءُ وانّ منها لما يهبطُ من خشية الله وما الله بغافلٍ عما تعملون﴾(البقرة: 74) فكما اوضحنا واثبتنا في مبحث الآية الثالثة من (المقام الاول للكلمة العشرين) فان الآية هذه تخاطب بني اسرائيل قائلة: ماذا اصابكم يا بني اسرائيل حتى لا تبالون بجميع معجزات موسى عليه السلام، فعيونكم شاخصة جافة لا تدمع، وقلوبكم قاسية غليظة لا حرارة فيها ولا شوق، بينما الحجارة الصلدة القاسية قد ذرفت الدموع من اثنتي عشرة عيناً بضربة من عصا موسى - عليه السلام - وهي معجزة واحدة من معجزاته!
نكتفي بهذا القدر هنا ونحيل الى تلك الكلمة حيث وُضّح هذا المعنى الارشادى ايضاحاً كافياً.
وفي مقام (الافحام والالزام) تأمل في هذين المثالين فحسب من