الكلمات | الكلمة الخامسة والعشرون | 529
(487-598)

وهكذا فـ (المفلحون) هنا لا يعِّين بِمَ سيفلحون. وكأن الآية بسكوتها تقول: أيها المسلمون: لكم البشرى! أيها المتقي: ان لك نجاة من النار. أيها العابد الصالح: فلاحُك في الجنة. أيها العارف بالله: ستنال رضاه. أيها العاشق لجمال الله: ستحظى برؤيته تعالى.. وهكذا.
ولقد أوردنا من القرآن الكريم من جهة جامعية اللفظ في الكلام والكلمة والحروف والسكوت مثالاً واحداً فحسب من بين الآف الامثلة؛ فقس الآية والقصة على ما اسلفناه.
 ومثلا:﴿فاعلم انه لا إله إلاّ الله واستغفر لذنبك﴾(محمد:19)
هذه الآية لها من الوجوه الكثيرة والمراتب العديدة حتى رأت جميع طبقات الاولياء في شتى وسائل سلوكهم ومراتبهم حاجتهم الى هذه الآية. فأخذ كلٌ منهم غذاءً معنوياً لائقاً بمرتبته التي هو فيها، لأن لفظ الجلالة (الله) اسم جامع لجميع الاسماء الحسنى، ففيه انواع من التوحيد بقدر عدد الاسماء نفسها، أي: لا رزاق إلاّ هو، لا خالق إلاّ هو، لا رحمن إلاّ هو.. وهكذا.
 ومثلاً: قصة موسى عليه السلام من القصص القرآنية، فيها من العبر والدروس بقدر ما في عصا موسى عليه السلام من الفوائد؛ اذ فيها تطمين للرسولYy وتسلية له، وتهديد للكفار، وتقبيح للمنافقين، وتوبيخ لليهود وما شابهها من المقاصد. فلها اذاً وجوه كثيرة جداً. لذا كررت في سور عدة. فمع انها تفيد جميع المقاصد في كل موضع إلاّ أن مقصداً منها هو المقصود بالذات، وتبقى المقاصد الاخرى تابعة له
اذا قلت: كيف نفهم ان القرآن قد أراد جميع تلك المعاني التي جاءت في الامثلة السابقة، ويشير اليها؟
فالجواب: ما دام القرآن الكريم خطاباً أزلياً، يخاطب به الله سبحانه وتعالى مختلف طبقات البشرية المصطفة خلف العصور ويرشدهم جميعاً، فلابد أنه يدرج معاني عدة لتلائم مختلف الافهام،

لايوجد صوت