هذا الايمان يسلب من النفس الامارة بالسوء حريتها الجزئية ويكسر فرعونيتها ويحطم ربوبيتها ويحدّ من حركاتها السائبة.
ألا ان الايمان بالقدر لذيذ ما بعده لذة، وسعادة ما بعدها سعادة. وحيث لا نستطيع تعريف تلك اللذة والسعادة، نشير اليهما بالمثال الآتي:
رجلان يسافران معاً الى عاصمة سلطان عظيم، ويدخلان الى قصر السلطان العامر بالعجائب والغرائب. احدهما لا يعرف السلطان ويريد ان يسكن في القصر خلسة ويمضي حياته بغصب الاموال، فيعمل في حديقة القصر. ولكن ادارة تلك الحديقة وتدبيرها وتنظيم وارداتها وتشغيل مكائنها واعطاء ارزاق حيواناتها الغريبة وامثالها من امورها المرهقة دفعته الى الاضطراب الدائم والقلق المستمر، حتى اصبحت تلك الحديقة الزاهية الشبيهة بالجنة جحيماً لا يطاق. اذ يتألم لكل شئ يعجز عن ادارته، فيقضي وقته بالآهات والحسرات. واخيراً يُلقى به في السجن عقاباً وتأديباً له لسوء تصرفه وادبه.
اما الشخص الثاني فانه يعرف السلطان، ويعدّ نفسه ضيفاً عليه، ويعتقد ان جميع الاعمال في القصر والحديقة تدار بسهولة تامة .. بنظام وقانون وعلى وفق برنامج ومخطط، فيلقى الصعوبات والتكاليف الى قانون السلطان، مستفيداً بانشراح تام وصفاء كامل من متع تلك الحديقة الزاهرة كالجنة، ويرى كل شئ جميلاً حقاً، استناداً الى عطف السلطان ورحمته، واعتماداً على جمال قوانينه الادارية.. فيقضي حياته في لذة كاملة وسعادة تامة.
فافهم من هذا سر (من آمن بالقدر أمن من الكدر)
المبحث الرابع
اذا قلت: لقد اُثبت في المبحث الاول ان كل ما للقدر جميل وخير، بل حتى الشر الآتي منه خير. والقبح الوارد منه جميل . بينما