أين؟.
الرشحة الرابعة:
انظر! الى هذا الشخص النوراني كيف ينشر من الحقيقة ضياءً نوّاراً، ومن الحق نوراً مضيئاً، حتى صيَّر ليلَ البشر نهاراً وشتاءه ربيعاً؛ فكأن الكائنات تبدَّل شكلُها فصار العالَم ضاحكاً مسروراً بعدما كان عبوساً قمطريراً.. فإذا ما نظرت الى الكائنات خارجَ نور إرشاده؛ ترى في الكائنات مأتماً عمومياً، وترى موجوداتها كالأجانب الغرباء والأعداء، لا يعرف بعضٌ بعضاً، بل يعاديه، وترى جامداتها جنائز دهّاشة، وترى حيواناتها واناسيّها أيتاماً باكين بضربات الزوال والفراق.
فهذه هي ماهية الكائنات عند مَنْ لم يدخل في دائرة نوره. فانظر الآن بنوره، وبمرصاد دينه، وفي دائرة شريعته، الى الكائنات. كيف تراها؟.. فانظر! قد تبدّل شكلُ العالم، فتحوّل بيتُ المأتم العمومي مسجدَ الذكر والفكر ومجلسَ الجذبة والشكر، وتحوّل الأعداءُ الأجانب من الموجودات أحباباً وإخواناً، وتحوّل كلٌ من جامداتها الميتة الصامتة حيّاً مؤنساً مأموراً مسخَّراً ناطقاً بلسان حاله آيات خالقه، وتحوّل ذوو الحياة منها - الأيتام الباكون الشاكون - ذاكرين في تسبيحاتهم، شاكرين لتسريحهم عن وظائفهم.
الرشحة الخامسة:
لقد تحوّلت بذلك النور حركاتُ الكائنات وتنوعاتُها وتغيراتُها من العبثية والتفاهة وملعبة المصادفة الى مكاتيب ربانية، وصحائف آياتٍ تكوينية، ومرايا اسماء إلهية . حتى ترقّى العالمُ وصار كتاب الحكمة الصمدانية.
وانظر الى الانسان كيف ترقَّى من حضيض الحيوانية الذي هوى اليه بعجزه وفقره وبعقله الناقل لأحزان الماضي ومخاوف المستقبل، ترقّى الى أوج الخلافة بتنور ذلك العقل والعجز والفقر. فانظر كيف صارت أسبابُ سقوطه - من عجز وفقر وعقل - أسبابَ صعوده بسبب