في هذه الصحراء الشاسعة، المتعصبين لعاداتهم، المعاندين في عصبيتهم وخصامهم، كيف رفع هذا الشخص جميعَ أخلاقهم السيئة البدائية وقلعها في زمان قليل دفعة واحدة؟ وجهّزهم بأخلاق حسنة عالية؛ فصيّرهم معلمي العالم الأنساني وأساتيذ الامم المتمدنة.
فانظر! ليست سلطنتُه على الظاهر فقط؛ بل ها هو يفتح القلوب والعقول، ويسخِّر الأرواح والنفوس، حتى صار محبوبَ القلوب ومعلّمَ العقول ومربي النفوس وسلطان الأرواح.
الرشحة الثامنة:
من المعلوم أن رفعَ عادةٍ صغيرة - كالتدخين مثلاً - من طائفة صغيرة بالكلية، قد يَعْسَرُ على حاكم عظيم، بهمّةٍ عظيمة، مع انا نرى هذا النبي الكريم y قد رفع بالكلّية، عاداتٍ كثيرة، من أقوام عظيمة، متعصبين لعاداتهم، معاندين في حسيّاتهم، رفعها بقوةٍ جزئية، وهمّة قليلة في ظاهر الحال، وفي زمان قصير، وغَرَسَ بدَلَها برسوخ تامٍ في سجيتهم عادات عالية، وخصائلَ غالية. فيتراءى لنا من خوارق اجراآته الأساسية ألوف ما رأينا، فمَن لم يَر هذا العصر السعيد نُدخل في عينه هذه الجزيرة ونتحداه. فليجربْ نفسه فيها. فليأخذوا مائةً من فلاسفتهم وليذهبوا اليها وليعملوا مائة سنة هل يتيسر لهم أن يفعلوا جزءاً من مائة جزء مما فعله في سنة بالنسبة الى ذلك الزمان؟!
الرشحة التاسعة:
إعلم! إن كنت عارفاً بسجية البشر أنه لا يتيسّر لعاقل أن يدّعي - في دعوىً فيها مناظرة - كذباً يخجل بظهوره، وأن يقوله بلا حرج وبلا تردد وبلا إضطراب يشير الى حيلته، وبلا تصنع وتهيج يوميان الى كذبه، أمام أنظار خصومه النقّادة، ولو كان شخصاً صغيراً، ولو في وظيفة صغيرة، ولو بمكانة حقيرة، ولو في جماعة صغيرة، ولو في مسألة حقيرة. فكيف يمكن تداخل الحيلة ودخول الخلاف في مدّعيات مثل هذا الشخص الذي هو موظف عظيم، في وظيفة عظيمة، بحيثية عظيمة، مع أنه يحتاج لحماية عظيمة، وفي جماعة عظيمة، مقابل